ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

 


الإهداءات



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 11-10-2012, 08:40 AM
\
مشرف قسم
Medo غير متواجد حالياً
Egypt     Male
لوني المفضل Darkmagenta
 رقم العضوية : 30
 تاريخ التسجيل : Sep 2011
 فترة الأقامة : 4645 يوم
 أخر زيارة : 03-01-2018 (05:21 PM)
 المشاركات : 3,985 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي تحت شجرة التوت



تحت شجرة التوت, على المسطبة أمام دار المختار, كان الرجال يحبسون أنفاسهم, بين الحيرة والحيرة, مشدوهين لتلك التفاصيل الساخنة, التي راح الشيخ بركات يدلي بها, بلهجة تتعمد الإثارة..
تململ فوق كرسي القش الذي ضاق بجسمه الضخم نوعًا ما.. أسند رأسه للوراء, ليتمكن من دس سبحته في جيب قمبازه, كما ليضفي على الموقف الجديّة التي تليق به, ثم, بذات اللهجة, أكد أنه رآه ليلة أمس رأي العين..
قال إنه تأخر في الجامع لأكثر من ساعة بعد صلاة العشاء, لبعض شأنه.. بعدها مشى قاصدًا بيته, عبر الزقاق الضيق, ذي الارضية المرصوفة ببلاطات قديمه..
في المنعطف المظلم, تمامًا بعد أن اجتاز دكان خالد النابلسي, رآه.. عند أول ساحة العين..
كان يرتدي معطفًا أسود طويلا, ويخفي رأسه تحت خرقة, لم يتمكن الشيخ من تحديد لونها بالضبط, ويمشي الهوينا, على ضوء القمر, بثقة عجيبة, دون أن يلتفت.. خالط روع الشيخ بركات ذلك الرعب الذي يعهده من نفسه, حتى في مواقف أخف وطأة من هذا.. مع ذلك لملم شتات بقية شجاعة لا يخلو منها حتى جبان, ومشى خلفه متخفيًا, يرقبه من بعيد, إلى أن رآه يجتاز الساحه ويهبط غربًا باتجاه البحر..

قفز يوسف المصري من على كرسيه, كمن لدغته عقرب.. ضرب الارض بقدميه, يكاد يتميز من الغيظ.. لو أن الراوي كان غير الشيخ بركات, لصب فوق رأسه حمم غضبه.. وبلهجة تحمل الكثير من الأسف ومحاولة ضبط النفس قال :
الله يسامحك يا الشيخ.. كيف تركته يفلت..؟ ثم كيف لم تر كيس القمح معه..؟ ترى أين أخفاه ..؟ لا بد أن له شركاء..

الطرق إليها متعرجة وغاية في الخطوره.. تتلوى بين أشجار الاحراج والقمم الصخريه, كأفعى أسطوريه.. أما الداخل اليها, فسرعان ما ينسى ما لقي من تعب او نصب, لأنه يشعر كما لو كان قد غادر للتو حدود الحضارة, ليلج مملكة الانسانيه..! بيوتها الحجرية القديمة, ذات الشبابيك الخشبيه المستطيلة, المطلية بألوان زاهيه, تبدو مرصوعة رصعًا بين الصخور والتضاريس الجبليه.. حواكير مقسومة عرضيًا بسلاسل حجرية غاية في التنظيم والتنضيد, مزروعة كلها باشجار الفاكهة; لوز وخوخ وتفاح واعناب, وحتى الكرز.. أحواض ورد ندية نضرة تزين مداخل البيوت ; حبق وريحان.. وياسمين وأقحوان وأخرى.. هواء نقي خفيف مضمّخ بروائح عطرية كأنها تجيء من ناحية الجنة..
كل شيء بسيط ومتواضع هنا في أم عوينات اوالمنطره, كما يسميها سكان قرى المروج الممتدة جنوبًا.. البيوت.. الناس.. بل وحتى الاحلام والطموحات.. صحيح أنها تتربع على قمة شاهقة لأحد الجبال التي على الحدود, لكنها كانت دائمًا آمنة ومسالمه.. الناس فيها ينامون وأبواب بيوتهم مفتوحه.. ويوسف المصري لم يكن يبيت على بيدره لحراسة المحصول من الآدميين.. ولكن من البهائم..
من أين إذن انحط عليهم هذا اللصوص..؟ كيف تمكنوا, خلال اسبوع واحد, من استغلال غفوات قصيرة ليوسف المصري على طرف بيدره, كي يتسللوا فيسحبوا كل ليلة كيس قمح , دون ان يفطن لهم ..؟

في الأيام التالي تلت تناقل الأهالي أخبارًا مفادها أن مجموعة من اللصوص تهاجم البيوت والممتلكات..
أقسم أحد الرعاة أن الشيخ بركات قد التقى اللصوص وجهًا لوجه عند باب الجامع.. أمّا أم البنات فقد حلفت لكل من أراد أن يسمع, أن يوسف المصري قد اشتبك معهم في الناحية الشرقيه.. وأن بعضهم كان مسلحًا بالبنادق, فيما حمل آخرون سيوفًا قواطع..!

شعر المختار, كونه المسؤول الاول عن الأمن العامّ, بقلق شديد إزاء ما تناقله الناس.. خشي أن يتهمه المواطنون صراحة بالعجز أو التقاعس, فقرر القيام بإجراء يقنع السكان أنه ما زال, رغم كبر سنه, أهلا لمنصبه..

دعي الناس لاجتماع عاجل في ديوان المختار.. هناك أبلغهم أبو الأمينقراره تشكيل فرق حراسة ليلية من شبان القريه.. مع تنبيه الحراس أن عليهم, لو صادفوا اللصوص, الحضور فورًا لابلاغه, ويقوم هو بإبلاغ الناس, ليخرج الاهالي ويمسكوا باللصوص, فيسلمهم للسلطات.. هكذا يثبت الجرم بتواتر الشهود, كما قال..

ليلة الجمعه هرع الحراس, يكاد يصدم بعضهم بعضًا, نحو دار المختار, ليخبروه انهم تركوا لصا عند طرف ساحة العين, يمشي غربًا باتجاه المقابر.. قالوا إنه كان بإمكانهم القاء القبض عليه بسهوله, لانه كان يمشي بطيئًا كما لو أنه في البلدة وحده.. إلا أنهم لم يفعلوا انصياعًا لتعليمات المختار..

خلال بضع دقائق كانت أم عوينات عن بكرة أبيها, تحمل مشاعل أنارت قمة الجبل, وتحث الخطى نحو الغرب.. اجتازوا ساحة العين.. هبطوا غربًا حتى اصطدموا بالسياج الشرقي للمقبره.. هناك وقفوا, ليقترح المختار أن يقسموا أنفسهم فريقين, فريق يمشط المنطقه شمال المقبره, وآخر يمشطها من الجنوب.. أعجب الناس بحنكة مختارهم, وسددوا رأيه, ولكنهم ما أن عزموا على التنفيذ حتى فوجئوا بأحدهم يصيح : أنظروا.. إنه هناك.. على القبر..
صعق الجمع.. تسمروا في أماكنهم.. رأوه يجلس في الظل,عند رأس القبر القريب من جذع شجرة الخروب, وظهره اليهم.. كان فعلا متلفعًا بالسواد.. لم يتحرك.. رغم الجلبة والاضواء.. كأنه لا يكترث لهم.. بينما لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه, حتى يوسف المصري.. أما الشيخ بركات فكان يتمتم بأشياء لم يفهم الناس منها إلا جزمه أن هذا الجالس على القبر جني بكل تأكيد..

فجأة قام .. مشى خارجًا من القبور.. فسح له الناس الطريق, رعبًا لا تكريمًا, ولما توسطهم أماط الخرقة عن رأسه ..
كانت أرملة المرحومسليم الغزاوي, الذي لقي مصرعه في حادث عمل مروع , قبل حوالي شهرين.. تأتي كل ليلة جمعة لتتوحد مع حزنها عند قبره..

في هذه الاثناء بالضبط.. كان علوان الاعرج, رجل سر المختار وساعده الايمن, بعد أن أنهى مهمته, يحكم إغلاق البوابة الرئيسية لمخازن المختار, في الناحية الشرقيه من ام عوينات…..

 

الموضوع الأصلي : تحت شجرة التوت     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : Medo



 توقيع :

الحب من الممكن أن يمسنا مرة واحدة
و يستمر من أجل باقي الحياة
دون أن يفارقنا حتى نموت

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap 


الساعة الآن 04:10 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010