ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

 


الإهداءات


العودة   منتديات حـــبة حــب > هஐ¤ღ المنتدى الاسلامى ღ¤ஐه > ~ القسم الاسلامى العام ~

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-26-2013, 06:11 AM
حبيب فضى
سوزى غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 72
 تاريخ التسجيل : Nov 2011
 فترة الأقامة : 4595 يوم
 أخر زيارة : 03-01-2018 (05:39 PM)
 المشاركات : 1,800 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
سد الذرائع في الشريعة الإسلامية



سد الذرائع أصل من أصول السادة المالكية، فلقد أكثروا من العمل بهذا الأصل، حتى نُسب إلى المذهب المالكي أنه المذهب الوحيد الذي قال بالذرائع، والأمر خلاف ذلك كما زعم القرافي: "فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ وأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْه"[1].

وقاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده.

وقبل الحديث عن الذريعة، يحسُن بنا الإشارةُ إلى معناها لغةً واصطلاحًا:
الذريعة لغةً واصطلاحًا:
بالرجوع إلى المعاجم اللغوية نجد أن الذريعةَ في اللغة تفيد "الوَسيلَة والسَّبَب إلى شيءٍ، يُقال: فلانٌ ذَريعَتي إليكَ؛ أَي: سبَبي ووُصْلَتي الذي أَتَسَبَّبُ به إليكَ"[2].

والمراد بها اصطلاحًا: "حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا، فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ منعنا من ذلك الفعل"[3]، ونقل ابنُ حزم عن أبي محمد علي بن أحمد - رحمه الله - قوله: "ذهب قوم إلى تحريم أشياء من طريق الاحتياط، وخوف أن يتذرع منها إلى الحرام البحت"[4].

فعماد التعريف في الذريعة أنها هي كل مسألة ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور، وبيان ذلك أن الوسيلة إذا أفضت إلى مفسدة كانت فاسدة، فوجب قطع الذريعة لما ينجم عنها من مفاسد، والوسائل إذا كانت مؤدية إلى مصلحة كانت صالحة، فتكون الذريعة عندئذ غير ممنوعة.

قال القرافي: "الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة"[5].

فحسب الإمام القرافي أن الأمور ليست بحسب مآل نية الفاعل، وإنما بحسب نتائجها وغاياتها، و هذا ما أقرَّه أبو زهرة فقال: "إن أصل سدِّ الذرائع لا يعتبر النية فيه على أنها الأمر الجوهري في الإذن أو المنع، وإنما النظر به إلى النتائج والثمرات"[6]، فلما كان المقصد الأساس للشريعة الإسلامية هو إقامة المصالح ودفع المفاسد، فكل ما يؤدي إلى ذلك من ذرائع وأسباب يكون له حكم ذلك المقصد الأصلي.

ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها، علِم أن الشارع الحكيم سدَّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، وهذا سنلحظه من خلال القسم الأول من أقسام الذرائع.

أقسام الذرائع:
وقد قسم علماء أصول الفقه الذرائع خمسة أقسام:
القسم الأول: ما أدى إلى مفسدة مقطوع بها، وهذا القسم أجمعت الأمة على سدِّه ومنعه وحسمه، وقد عبَّر ابنُ القيم عن هذا القسم بقوله: "لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا"[7].

ومن أمثلة هذا القسم - على سبيل المثال - ما يلي:
1- قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فحرَّم الله - تعالى - سبَّ آلهة المشركين - مع كون السب حميةً لله وإهانةً لآلهتهم -لكونه ذريعةً إلى سبِّ الله - عز وجل - فكانت مصلحة ترك مسبته - تعالى - أولى من مصلحة سبِّ آلهتهم، وجاء التصريح على المنع لئلا يكون سببًا في فعل الحرام.
2- ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، "وذلك أن المسلمين كانوا يقولون: راعنا يا رسول الله، من المراعاة؛ أي: أَرْعِنا سمعَك، وفرغ سمعك لكلامنا، وكانت هذه اللفظة شيئًا قبيحًا بلغة اليهود، وقيل: كان معناها عندهم: اسمع لا سمعت، و قيل: هي من الرعونة"[8].
"فنهى تعالى المسلمين عن قولها؛ سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعةً إلى أن يقولها اليهود للنبي تشبُّهًا بالمسلمين، يقصدون بها غيرَ ما يقصده المسلمون، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنًى فاسدًا"[9].
3- وحرم الشارع الطِّيبَ على الْمُحْرِمِ؛ لكونه من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سدِّ الذرائع.
4- وأمر - عليه السلام - أن يفرَّق بين الأولاد في المضاجع، فلا ينام الذكر مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون بابًا من ت إبليس عليهما، فيتحد الفراش وهما لا يشعران؛ قال - عليه السلام -: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"[10].
5- ونهى المرأة عن السفر بغير محرم؛ قطعًا لذريعة الطمع فيها والفجور بها.

القسم الثاني: ملغًى إجماعًا، لأن مفسدته نادرةُ الوقوع؛ لذلك أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تُسد ووسيلة لا تُحسم، كالمنع من زراعة العنب خشيةَ الخمر، فإنه لم يقل به أحد، ومنه كذلك المنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا.

القسم الثالث: مختلف فيه بين السدِّ والترك، وذلك كبيوع الآجال، ومثاله "كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر، فالإمام مالك يقول: إنه أخرج من يده خمسةً الآن، وأخذ عشرةً آخر الشهر، فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجلٍ توسلاً بإظهار صورة البيع لذلك، والشافعي يقول: ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره، فيُجوِّز ذلك، وهذه البيوع يقال: إنها تصل إلى ألف مسألة، اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي. وكذلك اختلف في تضمين الصناع؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم، فتتغير السلع فلا يعرفها ربُّها إذا بيعت، فيضمنون سدًّا لذريعة الأخذ، أم لا يضمنون لأنهم أُجَرَاء، وأصل الإجارة على الأمانة قولان.

وكذلك تضمين حملة الطعام لئلا تمتدَّ أيديهم إليه، وهو كثير في المسائل، فنحن قلنا بسدِّ هذه الذرائع، ولم يقل بها الشافعي"[11].


القسم الرابع: الذرائع والوسائل المشروعة المفضية إلى البدعة، وإليه أشار الإمام الشاطبي في "الاعتصام" بقوله:
" قد يكون أصل العمل مشروعًا، لكنه يصير جاريًا مجرى البدعة من باب الذرائع"[12]،
فضرب أمثلة لذلك منها:
1- أن يكون للمكلَّف طريقان في سلوكه للآخرة، أحدُهما أسهل والآخر صعب، فيأخذ بالطريق الأصعب ويترك الأسهل بناء على التشديد على النفس، كالذي يجد للطهارة ماءين، ساخنًا وباردًا، فيتحرَّى الباردَ الشاقَّ استعماله، بدليل إسباغ الوضوء على المكاره، فهذا لم يعطِ النفسَ حقَّها، وخالف دليلَ رفع الحرج؛ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
2- ومن ذلك الاقتصارُ على البشع في المأكل، والخشن في الملبس من غير ضرورة.
3- ومنه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الناس كانوا يذهبون إليها، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة.
"فهذه الأمور جائزة أو مندوب إليها، ولكن العلماء كرهوا فعلَها؛ خوفًا من البدعة، لأن اتخاذها سنة، إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مَجرى السنن، صارت من البدع بلا شك"[13].

القسم الخامس: تجويز الحيل[14] يناقض سدَّ الذرائع، فقد كتَب ابن القيم فصلاً هامًّا، بيَّن فيه الأهمية القصوى لمبدأ سدِّ الذرائع، وانتهى فيه إلى أن سدَّ الذرائع هو أحد أرباع الدين، ثم بنى عليه بحثًا في تحريم الحيلة، معتبرًا إياها رافعةً للتحريم ومسقطة للوجوب "[15].

ومن أمثلة الحيل المفضية إلى فتح الذرائع المحرمة:
1- إبطال حيلة إسقاط الزكاة، وذلك ببيع ما في اليد من النصاب قبلَ حلول الحول، ثم استرداده بعد ذلك، وهذه حيلة محرمة باطلة.
2- ومن الحيل الباطلة لإسقاط حدِّ السرقة: أن يحفر الحرُّ السقف، ثم يدخل عبده، فيخرج المتاع من السقف.

فهذه الحيل وأمثالها لا يحلُّ لمسلم أن يفتي بها في دين الله، "ومن أفتى بها فقد قلب الإسلامَ ظهرًا لبطن، ونقض عُرى الإسلام عروةً عروةً، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ مَرْوَانَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ هَاهُنَا بِمَرْوَ، أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَبَى زَوْجُهَا عَلَيْهَا، فَقِيلَ لَهَا: لَوْ ارْتَدَدْتِ عَنْ الإِسْلَامِ لَبِنْتِ مِنْهُ، فَفَعَلْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ، حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: أَحْدَثُوا فِي الإسلامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ، أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا أُرى الشَّيْطَانَ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: قَالَ شَرِيكٌ – يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِاللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ - وَذُكِرَ لَهُ كِتَابُ الْحِيَلِ، فَقَالَ: مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ"[16].



إنّ الناظر للواقع المزري الذي تعيشه الأمة اليوم في باب تعدد الفتوى في النازلة ، واعتداء بعض على بعض بالثلب والتجهيل والتفسيق والتبديع .
أمر يفتّ الفؤاد ألماً ؛ إذ يتنازع الناس ويتفنون في ضرب القرآن بعضه ببعض - إلا من رحم ربك وقليل ماهم - ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
وما ذاك إلا من قلّة الفقه في الدين ، ومن عدم تعظيم نصوص الوحي استدلالا ومنهجاً وسلوكاً .
حتى لقد صرت ترى من آثار هذا التخبط أن أصبح كل ذي لسان يتحدّث في أمور العامة تصنيفاً وتبديعاً وتفسيقاً وشجباً وإدانة واستنكاراً !
فلا تستغرب في هذا الزمن أن تجد :
صحفياً . .
أو مراسلاً . .
أو لاعباً
أو فناناً . .
أو بطل مسلسل . . .
يتحدث في أمور العامة ، ويُلقي بالأحكام وتصنيف الناس جزافاً . وما تلك إلا من الفتنة واتباع سبيل الشيطان التي أخبر الله تعالى عنها بقوله : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً " (النساء:83) .
وإن مما عمّ الجهل به علماً وفقهاً وسلوكاً قاعدة ( سد الذرائع ) والتي صرت - اليوم - تجد كثيراً من الخلط الواقع فيها بين شدّة التضييق بحجة ( سد الذريعة ) وفجوة التمييع بحجة ( فتح الذريعة ) .
الأمر الذي يحتّم على أهل العلم والبصيرة ، الغيورين على دينهم وأمتهم وضع تصوّر منهجي يخفف - على أقل تقدير - من حدّة ما تعانيه الأمة في موجهيها وأهل الحل والعقد منهم ، الذين حمّلهم الله أمانة العلم والصدق في تبليغه للناس : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ " (آل عمران:187) .
" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة:159) .

وإن كنت لا أزعم أني صاحب السبق في طرح هذا التصور المنهجي ، لكني أتمنى أن أكون قد فتحت باباً لأهل الاختصاص في هذا المجال أن يعيدوا النظر في أطروحاتهم فيما يتعلق بمثل هذه القواعد الشرعية ، التي لا زالت تدرّس على أنها تراث - للمعلومات فقط - بعيدا عن الواقع والنظرة الواعية للعصر وما يجدّ فيه من أمور ، مما يفتح باباً وذريعة لتعالم طائفة من الناس جُعلت في مواطن التوجيه - ظلماً - !

وقد أحرص في هذه الأطروحة أن تكون على نقاط وخطوط عريضة بعيداً عن تنزيل الأحكام وتحقيق مناطها على حادثة أو واقعة أو نازلة ، إذ الخوض في هذا من مثلي جناية وتعالم - ورحم الله امرء عرف قدر نفسه - !

التعريف اللغوي:
القاعدة مكونة من كلمتين : ( سد الذرائع ) .
السد :
الحائل وإغلاق الخلل . ومن ذلك قوله : " قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً " (الكهف:94) .
وقوله : " وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ" (يّـس:9) .
الذريعة :
قال في لسان العرب : الذَّرِيعة: الوسيلة المفضية إلى الشّيء ، وقد تَذَرَّع فلان بذَريعةٍ أَي توسَّل، والجمع الذرائعُ.
يقال : فلان ذريعتي إليك أي سببي وَصِلَتي الّذي أتسبّب به إليك . والذّريعة السّبب إلى الشّيء ، وأصله أنّ الذّريعة في كلامهم جَمَلٌ يُخْتَلُ به الصّيد يمشي الصّيّاد إلى جنبه فيستتر ويرمي الصّيد إذا أمكنه ، وذلك الجمل يُسَيَّبٌ أوّلاً مع الوحش حتّى تألفه .
ويمكن القول أن في الذريعة معنى التحايل والمخاتلة .

التعريف الإصطلاحي :
بالنظر إلى التعريف اللغوي للذريعة يتبين أن بين الوسيلة والذريعة اتفاق من جهة المعنى العام ، وهي ما يتوصل به إلى الشيء .
سواء كان هذاالشيء مصلحة أو مفسدة .
وهذا هو المعنى العام للذريعة .
لكن اصطلح الفقهاء على أن الذرائع هي : الطرق المفضية إلى المفاسد - خاصة - .أو هي : الأشياء الّتي ظاهرها الإباحة ويتوصّل بها إلى فعل محظور .
قال القرطبى:..[ عند بيان الآية 104 من سورة البقرة] والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع....
ومعنى سدّ الذّريعة : حسم مادّة وسائل الفساد دفعاً لها إذا كان الفعل السّالم من المفسدة وسيلةً إلى مفسدة - وإن لم يُقصد بها المفسدة - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والذريعة : ما كانت وسيلة وطريقاً إلى الشيء ، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم - ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة - ولهذا قيل : الذريعة : الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرم أ.هـ - الفتاوىالكبرى 6 / 172

دليل اعتبارها .
قاعدة سدّ الذرائع هي من القواعد المختلف فيها بين أهل العلم من جهة اعتبار كونها دليلاً شرعياً يصحّ بها التحليل والتحريم .
فمن خالف إنما خالف في اعتبارها على استقلال ، ويقولون في شرط اعتبارها : لا بدّ من فضل خاصّ يقتضي اعتبارها أو إلغاءها .
وقد ساق الإمام ابن القيم رحمه الله تسعة وتسعين دليلاً على اعتبارها ( أعلام الموقعين 3 / 177 - 205 )
وساق الإمام الشاطبي رحمه الله اتفاق السلف على أصل سد الذريعة . ( الموافقات 3 / 193 ) والخلاف بينهم إنما هو في تحقيق مناط هذه القاعدة في بعض الجزئيات ( نظرية المصلحة ص 266 )
وقد عُلم بالاستقراء أن موارد التّحريم في الكتاب والسّنّة يظهر أنّ المحرّمات منها ما هو محرّم تحريم المقاصد ، كتحريم الشّرك والزّنى وشرب الخمر والقتل العدوان ، ومنها ما هو تحريم للوسائل والذّرائع الموصّلة لذلك والمسهّلة له .
قال الله تعالى : { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، قالوا : نهى تبارك وتعالى عن سبّ آلهة الكفّار لئلاّ يكون ذلك ذريعةً إلى سبّ اللّه تعالى ، ونهى اللّه سبحانه عن كلمة ( راعنا ) بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا } لئلاّ يكون ذلك ذريعةً لليهود إلى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّ كلمة " راعنا " في لغتهم سبّ للمخاطب .
وقال صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس ، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في المشبّهات كان كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه . ألا وإنّ لكلّ ملك حمًى ، ألا وإنّ حمى اللّه في أرضه محارمه » .
وقال ابن رشد : إنّ أبواب الذّرائع في الكتاب والسّنّة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها .

قيود منع الذريعة :
1 - أن يؤدي الفعل المأذون فيه إلى مفسدة قطعاً .
2 - أن تكون تلك المفسدة راجحة على مصلحة الفعل المأذون فيه .
3 - أن يكون أداء الفعل المأذون فيه حيلة إلى المفسدة غالباً .

ماهي المفسدة التي تُسدّ ذريعتها ؟
المفسدة ضد المصلحة .
وهي كل ما عُلم مفسدتها بطريق الشرع .
ومن المعلوم أن أن الدين جاء ليحفظ ضرورياته الخمس :
( الدين ، النفس ، العقل ، المال ، النسب - أو النسل ) . فكل ما أفسد هذه الضروريات أو أحد منها باعتبار الشرع فهو مفسدة .
وليس لأحد أن يحدد مصلحة أو مفسدة لأمر ما بمجرد عقله وهواه ، إذ أن ذلك من خصوصيات الشرع ، ومعلوم عند كل عاقل أن العقل السليم يوافق النقل الصحيح .

الخلاصة :
نخلص من ذلك إلى أمور :
- الذرائع : لها معنيان : عام وخاص .
- الذرائع : فيها معنى التحايل والمخاتلة .
- الذرائع : صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم .
- لا يلزم من منع الذريعة أن يُقصد بها المحرم .
- أن الذريعة في الأصل أمر مباح في الشرع .
- المقصود من سد الذرائع : حسم مادّة وسائل الفساد وإبطال الحيل .
- الأخذ بالعزائم ضمانة حقيقية لسد الذرائع، بينما يؤدي تتبع الرخص إلى التهاون أحياناً في بعض شرائع الدين.
- كما أن الشريعة جاءت بسدّ الذرائع فقد جاءت بفتحها ( فتح الذرائع ) وتسمى ( الوسائل ) .
- ( فتح الذرائع ) متوقف على اعتبار أن المصلحة المتوسل إليها مصلحة شرعية لا مصلحة الهوى والتشهّي .
- المصلحة والمفسدة لا يمكن للعقل أن يدركهما على استقلال إلا باعتبار الشرع لهما ، فما اعتبره الشرع مصلحة فهو مصلحة ، وما اعتبره مفسدة فهو مفسدة على ضوء الأدلة الشرعية .

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يصلح قلوبنا ، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . . إنه ولي ذلك والقادر عليه .

والحمد لله رب العالمين .

 

الموضوع الأصلي : سد الذرائع في الشريعة الإسلامية     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : سوزى



 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 10-26-2013, 06:25 AM   #2
نائب الاداره


مصطفى منصور غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3677
 تاريخ التسجيل :  Jan 2013
 أخر زيارة : 06-28-2019 (02:31 AM)
 المشاركات : 24,963 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 SMS ~
لوني المفضل : Blue
افتراضي



بورك فى الأيادى التى خطت والأنامل
التى سطرت لنا هذاالطرح الوافى
والمفيدجدا
ودى


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-26-2013, 06:35 AM   #3
حبيب فضى


سوزى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 72
 تاريخ التسجيل :  Nov 2011
 أخر زيارة : 03-01-2018 (05:39 PM)
 المشاركات : 1,800 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




مرور جميـــــل..||
دام التألق ...




ودام تواجدك بمتصفحى
كل الشكر لهذا الحضوور الرائع
لك مني كل التقدير ...!!
وبآنتظار مرورك وتواجدك بمتصفحى بكل شوق





...!
ودي وعبق وردي ..~


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-26-2013, 08:44 AM   #4
مشرف عام


Bamoot Feek غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Aug 2011
 أخر زيارة : 11-02-2018 (11:52 AM)
 المشاركات : 14,309 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
 SMS ~
حبيبي
ياإشراقه فجري
وابتسامة ثغري
يارفيق دربي
وأنيس روحي
و إشراقه الشمس في نهاري
و ضوء القمر في ليلي

yyyy
لوني المفضل : Brown
افتراضي



شكرا لك على الموضوع المميز
جزاك الله كل خير جعله الله في ميزان
حسناتك لكل كل لشكر وتقدير احترامي
تقييم


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-26-2013, 09:49 AM   #5
عضو مهم


وليد المصرى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27987
 تاريخ التسجيل :  Oct 2013
 أخر زيارة : 11-26-2017 (04:07 PM)
 المشاركات : 11,922 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Deeppink
افتراضي



وفقك الله ورعاكي لما يحب ويرضى
وجزاكي خير وجعله في ميزان حسناتك


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-26-2013, 03:15 PM   #6
:: الإدارة ::


ضى القمر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4
 تاريخ التسجيل :  Jul 2011
 أخر زيارة : 12-25-2021 (02:59 AM)
 المشاركات : 41,480 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
 SMS ~




لوني المفضل : Crimson
افتراضي



تسلم الايادي الغالية
الله لايحرمنا جديدك وابداعك,,
كل الشكر لك
لك تقديري واحترامي


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-27-2013, 07:28 AM   #7
نائب الاداره


معانى الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  Jul 2011
 أخر زيارة : 12-10-2021 (09:57 PM)
 المشاركات : 38,198 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
 SMS ~










لوني المفضل : Fuchsia
افتراضي



بارك فيـكى علام الغيوب
ونفـــس عنــكى كـل مكــروب
وثبـت قلبـكى علـى دينـه إنــه مقلـب القلـوب


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap 


الساعة الآن 01:28 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010