بنت بلادي (قصة قصيرة)..

بنت بلادي (قصة قصيرة)..

--------------------------------------------------------------------------------


خرج طبيب الأسرة عليهم، وهزّ رأسه مطمئناً لهم بأن "وحيد" قد تمكن أخيرا من النوم نتيجة المهدئ الذي قام بإعطائه إياه.. فأعطاه الوالد مبلغ الكشفية، بينما اندفعت الأم إلى وليدها تمسح على رأسه وتقبّله.. فمنذ اندلع القتال في هذه الدولة الآمنة والجميع يُعانون من الألم والحزن وفارقت الابتسامة محيّاهم..

فوحيد، الذي يعيش في العقد الثاني من عمره، ثمرة فؤادهم، كان طالبا متفوقا مليئا بالمواهب مقارنة بأقرانه، لكنه غدا الآن كالمعتوه أو من مسّه جنون، يردد بتأوه: "لقد قتلتها.. لقد قتلتها" .. تبادلت الأم النظرات مع والده، وكأنه تقول له بصمت: "لماذا لم تزوجه إياها كي لا نخسر ابننا الغالي؟!".. بينما وحيد في غيبوبته يتذكر "حنين" وأنها كانت الوحيدة القادرة على إيقاظ روحه حين تقول له بود: "ما هي الأخبار أيها السمين؟"، فيجيبها ببسمة: "طيبة يا بنت بلادي"..

فهو قد تعرّف عليها في الغربة بجامعة دولة مجاورة، فقد كانت فتاة رقيقة ومشاكسة تصغره بسنتين، ساعدته بطريقة غير معهودة في مرات كثيرة، وقد تم ضبطهم أكثر من مرة في وضعية غش بالامتحانات، لكنها كانت تقوم بتخليصه بدهائها ومكرها، واكتملت المودة بلقاءات في مركز الفنون الذي كان يعزف فيه على العود، بينما كانت هي تغني ببراعة، وكثير ما قضوا الوقت في الغناء لبعضهم البعض عن الوطن والحب والأمل والغربة، حتى نشئت بينهم علاقة صداقة قوية.. فأصبحت بمرور الوقت عالمه الذي يسبح فيه..

لم ينتظر كثيراً حتى فاتح أباه بموضوعها، وكم سعدت الأم بذلك، خاصة وأنها كانت ترى المستقبل الباهر لابنها، وأن الفتاة بدت جميلة ومقبولة في شكلها، لكن ما فجّر الأزمة من البداية، هو أن الأب حين سأل ابنه عن لقبها وأجابه وحيد، تغّيرت ملامح وجهه ورد رداً صادماً: "ابني، هذه لا تصلح لك؟!"
- "مالمانع يا أبي؟!.. أنا أحبها وهي تحبني، وعائلتها تتقبلني وتعرف اسمي!"
- "إنها ليست من طائفتك يا بني.. أنت صغير الآن ولا تفهم، فالحياة معقدة"

سكت بعدها وحيد، فهو لم يكن يريد عصيان أبيه، لكن جزء منه أصيب بكآبة، وضاقت عليه الدنيا بما رحبت، فهو لا يفهم كيف أن الحب لوحده لا يكفي للزواج.. وحين أخبر حنين بالأمر، ابتسمت وأخبرته بأن والديها أخبراها بنفس الشيء، وأن الزواج قسمة ونصيب، ووعدته بعدم الانقطاع، ومضى الاثنان يغنيان ويعزفان، حتى تخرّج الاثنان ولا زالت حبال الود بينهما متصلة بفضل مواقع التواصل..

وبعد تخرج وحيد، عانى مثل البقية من البطالة لفترة من الزمن، في الوقت الذي حصلت فيه حنين على وظيفة، بسهولة.. وسمع الكثيرين يتحدثون عن التوظيف بناء على القرابة والطائفة، فلم يكن يصدقهم في بادئ الأمر، لكنه مع اشتداد الأزمة بات يصدّق، وحين صارح حنين بألمه، قالت له بلوم: "لا تكن سخيفا يا وحيد، لقد ظل اخي محمد في البيت لمدة سنتين يغسل الصحون مع أمي.. ثم عمل في مكتبة لقاء اجر زهيد، لكن الله يسّرها بعد ذلك.. فابحث لك عن أي عمل حتى لا تكتئب وتتشتت بالأفكار ويمتلئ عقلك بالسخافات".. ثم أرسلت له آخر مقطع سجلته بصوتها عن الفرج، فقضى وحيد ليلته كلها يستمع إليه..

وبعد أن اشتد القتال ووصل لمدينة وحيد، تم قصف منزل صديقه "أيمن" ليلاً، فاحترق بكل من فيه.. فهبّت المدينة واشتعلت الخطب معلنة الحرب والانضمام إلى الثوار، داعية الشباب إلى التطوّع.. وفي نفس اليوم الذي قرر وحيد فيه الخروج، وصلت رسالة من حنين تخبره فيها بأنها قد خُطبت، وأنها قد أرفقت صورة فارس أحلامها وأنها تريد رأيه فيه، فأصيب بالغم، ولم يفتح الصورة، بل غادر على عجل.. وحين خروجه تفاجأ برجال كثيرين ليسوا من بني جلدته ولا يعرفهم، أتوا ليجاهدوا ضد الظلم والطغيان، حسب وصفهم..

تمركزوا ناحية جبل، وبعد قليل لاحت في الأفق مركبة للجيش، فقاموا بنصب كمين محكم لها، فاحترقت بمن فيها، وخرج منها شاب في مقتبل العمر يشبهه تماماً، شبه محترق، يركض مستغيثاً، فطارده وحيد، وسدد عليه من رشاشه، واقترب منه بكل غضب الدنيا صابّاً عليه اللعنات، وركله، بعد أن تأكد من موته..

عاد وحيد، أخيراً، سالماً إلى منزله، بادِ عليه التعب والألم.. تذكر رسالة حنين، وحين فتح المرفقات ليطّلع على الصورة، وجد صورة أدخلته في نوبة هذيان لا يكاد ينتهي..

 

تسلم الايادى ع القصه الجميله والمفيده

ودى لكى

مدائن من الشكر ..وجنآئن الجوري
لهـذآالطرح الأكثر من رآآئع
صآحبة الحضور المتميز
والعـطآء الرآقي
دآآمت إطلالتكـِ في سسمآآءنآآ

يسلمو على الطرح الرائع
بارك الله فيكى
وبنتظار جديدك القادم
تحياتى اليكى
فاادى