ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

 


الإهداءات


العودة   منتديات حـــبة حــب > هஐ¤ღ المنتدى الادارى ღ¤ஐه > ~ ارشيف منتدى حبة حب ~

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-30-2012, 12:31 AM
~ مشرف منتدى الاثاث والديكور المنزلى ~
Maged غير متواجد حالياً
Egypt     Male
لوني المفضل Darkcyan
 رقم العضوية : 36
 تاريخ التسجيل : Sep 2011
 فترة الأقامة : 4629 يوم
 أخر زيارة : 03-01-2018 (05:16 PM)
 المشاركات : 4,133 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
بقايا حياة ضائعة



هل تفضل أن تحب شخصا ليوم واحد على أن تعيش مئة سنة دون أن تحب أحدا، أم العكس ؟



تحركت أناملها الرفيعة لتغطي فمها الوردي و تلك الابتسامة الرقيقة تشق طريقها على وجهها الدائري الناصع البياض :
- أرجوك سالي كفي عن هذا ... كلماتك مضحكة
ردت مرافقتها الشابة بشئ من الصبيانية الطفولية :
- أنا أقول الحق ولا تستطيعين إنكار ذلك آنجي .. الرجال مجرد أطفال بحجم كبير
حكت آنجي انفها المستقيم بحركة سريعة و فتحت فمها لتغير الوضع إلى صالحها و لتثبت بأن سالي لها نظرة متشائمة :
- ليس الأمر هكذا بل ...
صدمة قوية على الظهر هوت بالشابة الحسناء إلى الأرض ، فزعت سالي و انخفضت لتطمأن على صديقتها :
- آنجي هل أنت بخير ؟؟ آنجي ..!!
رفعت المعنية رأسها ببطء و هي تحاول استيعاب ما حدث ، حدقت بصديقتها بعينيها الخضراوتين المتسائلتين لكن تساؤلها لم يدم طويلا فقد كسر بصوت ضحك هستيري ، أدارت رأسها لترى فريق كرة السلة ، الشبان الأكثر وقاحة .. جرأة و إزعاج بهذه الكلية ، وصلت إلى إذنها كلمات احدهم :
- ألم أقل لك بأني أستطيع ضربها بالكرة ...
أعادت عينيها إلى الكرة التي ضربت ظهرها و سببت سقوطها ، ثوان من الصمت ثم شعرت بغليان الدماء في رأسها ، نهضت بقوة و حملت كرة السلة و هي تتجاهل صوت صديقتها المانع، تقدمت بخطوات ثابتة لتقترب من الشبان الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء نزع الابتسامة الساخرة عن وجوههم ، رفعت إصبعها بوجه رئيسهم :
- أنا اتحادك في مباراة لكرة السلة ...
رفع المعني احد حاجبيه باستغراب ثم ابتسم بسخرية و تكلم و هو يعبث بشعره الأشقر بشقاوة:
- يا آنسة كانت مجرد مزحة تقبليها و لا داعي لإحراج نفسك أكثر من هذا ( صمت و هو يراقبها تخلع حذائها ذو الكعب العالي و ترمي به إلى الوراء بغضب عارم ) ما الذي تفعلينه ؟
- أتحداك أيها الجبان ...
اندفعت نحوه بقوة و هي تحرك كرة السلة بيدها باحترافية ، اخذ خطوة إلى الوراء ، فضربت الشابة الكرة بالأرض بقوة لتمر من بين قدميه ، اقترب وجههما من بعض حتى كادا يصطدمان، شعر برائحة أنفاسها التي فاحت بطعم النعناع الحاد ، و غاص انفه برائحة التوت البري من شعرها البني اللامع ، حركت عينيها العسليتين لتحدق بزرقة عينيه و رسمت ابتسامة ساحرة على وجهها الجميل ثم استلمت الكرة مجددا و رمتها إلى الهدف مباشرة معلنة نجاحها بتفوق ..
اعتدلت بوقفتها و أدارت جسدها نصف استدارة :
- مات الملك ( ثم أكملت بتهكم واضح بين طيات صوتها ) أيها البطل ...
بدأت صرخات السعادة تصدر من مرافقتها الشابة :
- أحسنت آنجي .. أحسنت .. أنت الفائزة ..
حركت الشابة أناملها لترتب خصلات شعرها التي تناثرت على وجهها بتمرد ثم سارت مبتعدة عن مكان انتصارها ...
وقف الشاب المنهزم متصلبا فهو لم يتحرك قيد أنملة ، اقترب منه احد أصدقائه :
- ألين ... هل أنت بخير ..؟؟
خرج الشاب من شروده و نظر إلى محدثه بعينين مليئتين بالسعادة ، وضع يديه على كتفي صديقه القلق و تكلم بفرح عارم :
- لقد وجدتها ... وجدت زوجتي ... لقد وقعت بالحب يا صديقي ...
***

في صباح اليوم التالي كان خبر الهزيمة قد تحول إلى خبر الأسبوع الأبرز ، فقد تردد على كل لسان و تناقله الجميع
- لو رأيتم كيف نالت آنجي من ذاك المغرور ألين
تكلمت آنجي بعتاب و هي تقترب من جمع الفتيات اللاتي يستمعن لسالي و هي تروي بطولة صديقتها العزيزة :
- أرجوك سالي كفي عن نشر الموضوع ، ما حصل قد حصل ثم هو لم يحرك ساكنا لذا لم يكن يلعب بجد
أجابت المعنية بإصرار اكبر :
- لم يحرك ساكنا لأنه مجرد هاوي يعتقد نفسه محترفا .. أولئك الشبان مجرد شاة سوداء في هذا المجتمع ..

- مرحبا ....
استداروا إلى مصدر الصوت ، ابتسمت الفتيات بفرح إلا آنجي التي بدت متفاجئة و سالي التي تقدمت لتقف بوجهه :
- ماذا تريد الآن ألين ؟ ألا تكفيك هزيمة أمس ؟
- في الواقع ( أبعد عينيه عن محدثته و ألقاهما على منافسته ) لقد أتيت هنا لأعتذر ( دفع سالي بهدوء و اقترب ليقف أمام آنجي و على وجهه ابتسامة ساحرة ) أنا آسف لما فعلنا البارحة .. حقا لقد تمادينا و لم يكن من المفترض أن نرمي الكرة عليك ، أرجوك باسمي و باسم الفريق أقبلي اعتذارنا ...
قاطعته سالي :
- لا لن تقبله ...
ابتسم الشاب بفرح و كأنه كان يراوغ ليحصل على الرفض :
- إذن لابد من تعويض .. ما رأيك آنسة آنجي ...
أجابت الصديقة مجددا :
- أي نوع من التعويضات تقصد ؟
- لقد علمت بأن الرسامة الكبيرة كريستينا ستقيم معرضا خاصا الليلة ( راقب عيني آنجي و هما تلمعان شوقا لسماع هذا الاسم ، فابتسم و هو يشعر بأنه يقترب من هدفه) و أنا و بكل تواضع أستطيع أن احصل على دعوة للدخول ( صمت و هو يحدق بعيني الشابة ليخترقها ) إذن ما رأيك ؟ هل تذهبين معي إلى المعرض ؟؟
ابتعد عن مكان وقوف الفتيات وابتسامة الثقة و السعادة قد رسمت على وجهه بعد أن حصل على الموافقة ، اخرج هاتفه المحمول من جيب بنطاله و بحث عن أسم ما ضغط على زر الاتصال و وضعه على إذنه ، دق لمرة و مرتين ثم ثلاثة ، اتكأ بأقرب جدار هو ينتظر بملل حتى وصل إلى مسمعه صوت أنثوي بارد :
- ماذا تريد ألين ؟ أنا مشغولة ...
- ما بالك أختي العزيزة أهكذا ترحبين بأخيك الصغير ؟
- الآن أصبحت أختك .. لا بد إنك بورطة و تحتاج مساعدتي
- لا تقولي هذا لست بورطة ، ألا أستطيع الاتصال إلا إذا احتجتك بشئ ؟
- لنكن واقعيين ألين .. أنت لا تتصل إلا إذا احتجت لشئ ، لذا هيا بسرعة اخبرني ماذا تريد ؟ ... لا وقت لدي للألاعيب ...
- بطاقتين لحفلة كريستينا الخاصة ..
- احلم ...
- أختي ، أرجوك ...
- لاني وكيلة أعمال كريستينا هذا لا يعني بأن بإمكاني الحصول على بطاقتين
- أرجوك .. أرجوك .. أرجوك .. الأمر مهم جدا
تنهدت الفتاة و صمتت لوهلة و هي تفكر بإمكانية تنفيذ طلب أخيها :
- حسنا لكن بشرط
- اطلبي أي شئ
- ستكون أعمال المنزل عليك لمدة شهر كامل ...
صرخ برعب :
- شهر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هذا ظلم ..
- لا تريد البطاقتين إذن ؟
- بلى .. بلى .. شهر كامل ... أعدك ..

حدق بالبطاقتين بين يديه ثم بالسماء التي بدأت تغيب و أخيرا حول نظره إلى المكان الذي اتفقا على اللقاء به :
- لم تأتي بعد .. لماذا يا ترى ؟ (رفع الساعة حول معصمه إلى مستوى عينيه ) لا لم تتأخر أنا من أتيت مبكرا ..
تنهد و أعاد عينيه إلى نقطة اللقاء التي تبعد عنه ما يقارب العشرة أمتار ، اتكأ على الجدار و رفع أحد قدميه ليثبت نفسه أكثر و تنهد :
- لا أريد أن تأتي و تراني قد أبكرت الوصول ، عليها أن تنتظر قليلا ثم ( رسم ابتسامة دافئة على وجهه ) هكذا سيتسنى لي الوقت لرؤيتها دون أن تغضب لتحديقي بها
أرجع بصره إلى نقطة اللقاء فشعر بنبضة قوية صدت بقلبه ، شعرها البني الذي ربطته بتسريحة بسيطة فرفعت بعضه و تركت البعض الآخر ينساب مع الريح الهادئة ، عيناها الخضراوتان اللتان تنقلتا هنا و هناك بحثا عن مرافقها المتأخر ، فستانها الأسود الذي وصل إلى ركبتيها و كشف عن ذراعيها البيضاوتين و أخيرا حذائها الأسود الصيفي الذي امتدت أشرطته السوداء من الكعب وصولا إلى الركبة ، رمش بعينيه مرة ثم أخرى و هو يقسم بأنها أجمل مما تصور بكثير ...
اقترب منها راكضا ، تنهدت الشابة براحة و كلمته و على وجهها ابتسامة :
- اعتقدتك لن تأتي
- لن أجرؤ على فعل ذلك بك .. أندخل ؟
- بالتأكيد ..
*****

خرجا من المعرض بعد أن مرت الساعات بسرعة كبيرة ، تكلم الشاب بنبرة مؤكدة :
- سأوصلك إلى المنزل ..!!
أومأت الشابة برأسها موافقة و بدأت تتكلم عن المعرض و أكثر ما أعجبها ، بينما كانت عيني الشاب تحدقان بها بذهول كبير ، تكلمت و ابتسمت و ضحكت ، علا صوتها و انخفض و أحمرت وجنتيها لشدة اندماجها بالكلام و أخيرا حدقت به باستغراب:
- لماذا تنظر إلي هكذا ؟
رفع الشاب أحد حاجبيه بارتباك :
- أنا ...
قاطعته بسرعة و هي تضع يدها على فمها و قالت بتأنيب ضمير :
- يا الهي لقد أزعجتك بكلامي الكثير أليس كذلك ؟
- لا .. لا .. أبدا .. على العكس تماما ( أمالت برأسها و كأنها تطالب بتوضيح أكثر فأكمل) لقد مر وقت طويل منذ أن رأيت أحدا سعيدا إلى هذه الدرجة
- هذا مدح ؟
- بالتأكيد ..
ابتسمت براحة و أخذت نفسا عميقا :
- و الآن بعد أن ثرثرت كثيرا جاء دورك للكلام ..
- ماذا تريدين أن أقول ؟
صمتت لوهلة و هي تفكر بما تريد أن تعرف :
- هل لديك إخوة ؟
- لدي أخت واحدة أكبر مني ، نحن نعيش معا بعد أن توفي والدينا
- أنا آسفة .. لم أقصد أن أذكرك بما يحزنك
- أتعلمين .. هذا غريب ، كلما أتذكرهما أشعر بالحزن يلتهمني بدون هوادة و كأنه وحوش كاسرة تلتهم غزلا صغيرا لكن الآن (توقف عن السير ، ابتلع رمقه و حدق بعينيها الخضراوتين مباشرة ) الأمر ليس كذلك فسعادتي بوجودك تلتهم هذه الوحوش
بدت حائرة أو تائهة بعينيه الزرقاوتين البراقتين ، ساد صمت مطبق بين الاثنين فهي لم تعرف كيف ترد وهو لم يعرف كيف يفصح عن مشاعره ، أخيرا قاطعهما صوت رجولي :
- آنجي ...
استدار الاثنين ناحية المنادي فاقترب منهما شاب على قدر كبير من الوسامة ، وضع يده حول خصر الفتاة فابتسمت بسعادة و نظرت إلى ألين :
- دايفيد أقدم لك ألين ..
رفع الأول يده مصافحا :
- إذن أنت ألين ، الشاب ذو البطاقة ...
أومأت الفتاة برأسها و أكملت :
- ألين أقدم لك دايفيد .. خطيبي ...
- لا ...
نظر إليه المخطوبان بتساؤل ، فتكلمت آنجي بقلق :
- هل هناك شئ ما ..؟ تبدو شاحبا .. هل أنت بخير ؟
عض على شفتيه ليمنع سيل الإهانات من الإفلات من بين شفتيه ثم أدار جسده و ابتعد راكضا عن المكان ، حدق دايفيد بالفتاة :
- هل قلت شيئا أزعجه ؟
- لا أعرف ...
بعد وهلة ضحك الشاب ملئ فاهه :
- فهمت الآن ... لا بد انه يغار منا ..
- لا أظن ، فليس هناك فتاة بكليتنا لا تتمنى أن ترى نفسها معه ...

لقد مر شهر على هذه الحادثة و ما زلت لا أستطيع الذهاب إلى الكلية خوفا من رؤيتها و الأسوأ هو رؤيتها معه ، ذلك الدايفيد ، توقعت أن البعد عنها سينسيني حبها لكني كنت مخطئا فمازالت تحتل قلبي تماما ، فكلما سمعت أحد ينطق كلمة تبدأ بحرف ( آ ) يرن اسمها بعقلي و هل لكم أن تتخيلوا عدد الكلمات التي تبدأ بهذا الحرف اللعين ؟
هناك من يقول بأنه يفضل أن يعيش يوما واحدا و هو يحب شخصا ما على أن يعيش مليون سنة دون أن يحب أحدا ، أنا حقا أشك بهذا ، فما فائدة أن تحب و تفقد حبيبك بيوم واحد ، الأمر بأكمله يبدو فارغا لا معنى له .. لقد كانت حياتي تسير بشكل رائع قبل أن اعرفها أما الآن فكل شئ انقلب رأسا على عقب .
ماذا أفعل ؟ هل أصارحها بما في خلدي أم أحتفظ بسري لنفسي ؟
يا الهي .. سأجن ...

رفع رأسه عن الورقة أمامه ثم حملها و بدأ يمزقها بعنف و كأنه يصب جام غضبه عليها :
- سأذهب غدا إلى الكلية .. و لن اهزم أمام فتاة مثلها ..
اقترب من فراشه و رمى جسده المنهك عليه و أخيرا أغمض عينيه طلبا للراحة

حل الصباح أخيرا بعد أن تأرقت عينيه من كثرة السهر، وقف أمام باب الكلية يحدق بالداخلين الكثيرين و الخارجين القليلين فقرر أخيرا أن ينضم إلى الكثيرين ، مد قدمه ليدخل
- ألين ...
أدار رأسه إلى مناديه ، فاقترب منه صديقيه العزيزين ، ابتسم بسعادة فقابلاه بابتسامة مشابهة، وضع أحدهما ذراعه حول عنقه :
- لقد أقلقتنا عليك يا رجل ... هل شفيت من المرض ؟
- أجل ..
كان الحديث يسير بطبيعية تامة، فساد بقلبه شعور مطمأن بأن كل شئ على أحسن ما يرام و ما حصل ليس إلا تجربة مزعجة خلقها بنفسه ..
بدأت المحاضرات تنهال على رؤوس الطلاب كمطر من نار و ألين المسكين لا يكاد يفهم شيئا بعد أن ضيع على نفسه شهرا كاملا ، خرج الأصدقاء الثلاثة من القاعة ، فتكلم ألين و يبدو أن قواه قد انهارت تماما :
- اقسم بأني كدت أن أموت بالمحاضرة الأخيرة
- معك حق ..
تكلم صديقهما الثالث :
- سأذهب لشراء شئ بارد
- سآتي معك ، انتظرنا في الحديقة يا ألين
- حسنا
جلس على مقعد أخضر خشبي بوسط الحديقة و عينيه على صديقيه اللذان كانا يشتريان من متجر صغير ثم حول بصره إلى أرجاء الحديقة ليرى الأحباء يجتمعون و يتبادلون الكلمات الرقيقة ، ابتسم بسخرية :
- يا له من سخف ..
- ألين ...
توقف قلبه لسماع هذا الصوت الأنثوي الأقرب إلى لحن كمان حزين ، رفع رأسه ليحدق بوجهها و عينيها القلقتين ، فعاد ذلك الشعور المؤلم يجتاح قلبه ، تكلمت الفتاة بعفوية :
- لقد كنت قلقة عليك ، فلم أراك منذ ذلك اليوم في المعرض ، لقد سمعت بأنك مريض فكيف أصبحت الآن ؟
رد بجفاء :
- أنا بخير
- هذا ممتاز ، أنا سعيدة حقا ، ألين .. أرجوك دعني أدعوك لكأس عصير أو شئ من هذا القبيل تعبيرا عن شكري لدعوتك لي للمعرض
- لا حاجة لذلك
تكلمت الفتاة بعناد :
- أرجوك .. أرجوك ..
نظر إلى وجهها و عينيها العنيدتين البريئتين و لم يستطع أن يرفض لها طلبا :
- حسنا
- إذن أراك اليوم مساءا في الثامنة ؟ أمام المقهى في الشارع السابع ، أتعرفه ؟
- اجل ..

جلست تحدق بالزجاج المطل على الشارع تارة و على الكأس الذي يحوي عصيرها الأحمر تارة أخرى ، حركت القشة ليظهر صوت مكعبات الثلج و هو يتزحزح من مكانه ، تنهدت بانزعاج :
- لا أظنه سيأتي ...
أعادت عينيها لتراقب قطرات المطر التي بدأت تطرق الزجاج ، جذب انتباهها صوت الجرس الصغير فوق باب المقهى ، رفعت بصرها ليقع على من تنتظر ، شقت ابتسامة سعيدة طريقها إلى وجهها بسرعة متناسية تأخره غير المبرر ، رفعت يدها لينتبه عليها ، تقدم نحوها بهدوء و جلس مقابلا لها ، تكلمت بمرح :
- مرحبا ...
أجاب ببرود تنافى مع النيران التي كانت تشتعل بقلبه :
- مرحبا ...
تجاهلت لهجته الغاضبة و تكلمت بنفس مرحها :
- ماذا تشرب ؟
- قهوة سوداء ...

ساد صمت مربك بين الاثنين ، كل واحد انغمس بأفكاره ، أخيرا تنهدت الفتاة و قبل أن تتكلم سبقها :
- أتعلمين .. هناك فتاة أحبها ...
رفعت أحد حاجبيها بدهشة تغلبت عليها بصعوبة :
- و ماذا في ذلك ؟
- لا شئ .. سوى ( صمت لوهلة وهو يحدق بكوبه ) انه حب من طرف واحد
- لماذا لا تخبرها ؟ ربما لا تعلم
ابتسم بسخرية :
- لا أستطيع أن أخبرها ، الأمر مستحيل فحسب ...
عاد الصمت ليحلق مجددا حتى قطعته الفتاة بابتسامة سعيدة تبعث الأمل بنفس أي مهموم :
- لا أعرف تفاصيل الموضوع ، لكن الشئ الذي أنا واثقة منه (صمتت و اتسعت ابتسامتها ) ليس هناك فتاة لا تتمنى أن تكون زوجتك ، لذا أطمأن و تشجع و أخبرها بحبك ...
غاصت عينيه بعينيها الخضراوتين ، ابتلع رمقه و فتح فمه لينطق باعترافه أخيرا ، لكن صوت أوقفه :
- آنجي ...
رفع الاثنين بصرهما ، فأجابت الفتاة باستغراب :
- دايفيد ...
عض ألين على شفته السفلى و هو يحاول أن يكتم غيضه ، لكن أعصابه تفجرت عندما حدق به خطيب حبيبته بنظرات يملؤها الاحتقار و التشفي :
- تعرف بأنها لن تكون لك أبدا ،صحيح ؟ هي خطيبتي و قريبا ستصبح زوجتي لذا تراجع و إلا نلت ما لا تتمناه ...
احتجت الفتاة :
- دايفيد ما الذي تقوله ؟ أنا و ألين مجرد أصدقاء ...
قطع حديثها على صوت تحرك الكرسي الخشبي للشاب الغاضب و كلماته الهامسة لخطيبها:
- أنا وأنت في الخارج ، خلف المقهى ..
*****

تواجه الشابان لأجل فتاة ، ليست معركة سيوف و هما ليسا أميرين يتحاربان للحصول على رضا أميرة ، بل شابين عاديين شاء القدر أن يجمعهما كندين ، خصمين .. لأنهما أحبا شخصا واحدا ...
وقفت الشابة بمنتصفهما :
- أرجوكما لا تتعاركا ... توقفا ...
أمرها خطيبها بحزم :
- ابتعدي عن الطريق آنجي ..
- لكن
قاطعها ألين بنفس الحزم :
- على قدر كرهي لموافقته على ما يقول إلا أن معه حق ، ابتعدي عن الطريق لا أريد أن أراك مغطاة بدم هذا الفاشل
صرخ الشاب الآخر باحتجاج :
- من تصفه بالفاشل ؟ سأقطع لسانك الطويل هذا ...
ما كاد أن يكمل كلامه حتى اندفع باتجاه ألين موجه لكمة قوية إلى وجه الشاب الذي تفاداها بالانخفاض عن مستواها ثم وجه لكمة قوية لجانب خصمه الأيمن
صرخت آنجي برعب و دموعها بدأت تشارك السماء ، تنحب حب عاشقين :
- توقفا .. أرجوكما .. توقفا ...
تناثرت الدماء من وجه ألين أثر اللكمة التي تلقاها ، فقد توازنه للحظة فتراجع للخلف و هو يمسح خط الدم من فمه بظهر كفه الأيمن ، تكلم الشاب الآخر بسخرية :
- انسحب أيها الأحمق .. لن تكون لك و لو بعد مئة سنة ...
زاد غضب المعني فاندفع باتجاه خصمه ليدفعه و يقعا معا على الأرض بقوة ، صرخت الفتاة برعب :
- توقفا .. توقفا .. توقفا ( و أخيرا تفجرت بصوت يبكي القلوب ) توقفااااااااااااا
كسر هذا الجو صوت رجولي خشن :
- من الأفضل أن تنفذا كلام الفتاة ...
نظر الثلاثة إلى محدثهم و لم يزلزل قلوبهم إلا المسدس الأسود بين يديه و فوهته التي وجهت نحوهم ، أكمل الرجل بعد أن حاز على الانتباه الذي يريده :
- و الآن ارميا ما تملكون على الأرض ، الساعات و الحلي و محافظ النقود ، لا تدعوني أكرر كلامي ...
صرخ دايفيد الذي بدا و كأن الغضب قد ألتهم صدره تماما و أعمى بصيرته :
- سارق ..!! هذا ما كان ينقصني ...
اندفع نحو خصمه الجديد بتهور و هو يريد توجيه بعض اللكمات عله يشفي غليل قلبه ، أخذ اللص خطوة إلى الوراء و انطلقت رصاصة دوى صوتها بالمكان و انتشر صداها ليهز الأبدان، هوت الشابة على الأرض وهي تغطي إذنيها من هذا الصوت المرعب ، أغمضت عينيها و تمنت لو أن ما يحدث مجرد حلم مزعج فحسب ، مرت ثوان حتى زال صدى الرصاصة و استبدل بصوت المطر الذي طرق الشارع الإسفلتي بقوة معبر عن اعتراضه لقسوة البشر تجاه بعضهم البعض ، ابتعدت يديها المرتجفتين عن إذنيها و أجبرت عينيها على مخالفة أوامر قلبها، ففتحتهما لتحدق بمنظر شهقت لأجله أنفاسها ، زحفت على ركبتيها لتقترب من محبها العاشق ، تكلمت بصوت بالكاد خرج من بين شفتيها :
- ألين ... ألين ...
حدقت عينيها بالدماء التي غطت قميصه الأبيض لتحوله إلى ذلك اللون الأحمر القاني ، لون الخطر ، حولت نظرها إلى خطيبها الذي اتكأ بالجدار و أنفاسه تتلاحق بسرعة و كأنه قد خاض سباق المارثون ، ثم إلى مكان اللص الذي تبخر و كأنه لم يكن ، اقترب دايفيد من مكان جلوس خطيبته ، و هدفه كان التحديق بوجه منقذه و عقله بدأ يراجع ما حدث :
- لقد كنت اتجه نحو السارق و أدركت غلطتي و تهوري ، لكن الأوان كان قد فات فقد سمعت صوت رصاصته تنطلق و لم يكن بيدي أن أتحرك بعيدا عنها ، لكن ( وضع يده على رأسه ليوقف سيل الأفكار من التدفق ) لكن دفعة قوية من الخلف أبعدتني عن الطريق، أنت أصبت لتحميني ... لماذا ..؟؟
فتح الجريح عينيه ليرى حبيبته تذرف الدموع بغزارة ، نظرة واحد على عينيه الزرقاوتين بعثت بنفسها المحطمة بعض القوة ، فصرخت بخطيبها :
- ديفيد ... أتصل بالإسعاف
راقبت المعني ينفذ أمرها و يتحرك راكضا إلى المقهى عله يجد عونا أسرع ، أعادت عينيها إلى الجريح فاقتربت منه أكثر ، رفعت رأسه بهدوء لتضعه على فخذيها ، لامست أناملها الرقيقة خصلات شعره الأشقر لتبعده عن وجهه ، فتح عينيه ليرى وجهها المحمر من البكاء ، ابتسم بألم:
- أنت تبكين ... لماذا ؟
- لماذا أنقذت دايفيد ؟ اعتقدتكما أعداء ، اعتقدت بأنك تكرهه ، إذن لماذا ؟
- لأن موته كان سيحزن قلبك ...
سرت رعشة قوية بجسدها ، تكلمت بتلكؤ :
- مـ .. ماذا تعني ؟
- لو كان الأمر عائدا إلي لتركته يموت ، سخيف أقل بهذا العالم ( ابتسم بألم ) لكنه خطيبك و أنت تحبينه لذا إذا مات فان دموعك ستراق عليه و لم أشأ أن أراك تبكين ... ( وصل إلى مسمعهما صوت سيارات الإسعاف ، أكمل الشاب و أنفاسه بدأت تبطئ ) أحب الحياة ، أحب أختي .. أحب أصدقائي ... أحب كل شئ ، أحب المطر وأحب الشمس ، أحب الشتاء و أحب الصيف ، أحب أن أعيش شبابي ( شهق بقوة ، أغمض عينيه بألم ثم بدأ يسعل بعنف لتتناثر دمائه على الأرض و على الفتاة التي ألجمها هول الموقف ) أحب كل شئ لكني مستعد بالتضحية به لأجلك ... لأجل أن أرى ابتسامك و لأجل أن أمسح دموعك ... أنا أحـ .. بـ ...
تناثرت دموعها على وجهه و هي تشعر بروحه الصادقة تغادر جسده :
- أنت ماذا ... ماذا تحب ؟ أتحبني ؟ لهذا فعلت هذا ... قتلت نفسك لأجلي .. لماذا ؟؟
وضعت رأسها على صدره لتتشبع خصلات شعرها البني بدماء محبها الصادق :
- لا أستطيع سماع دقات قلبك ، لماذا رحلت ؟؟؟
صرخت بهستيرية و هي تقبض على ملابسه و كأنها تحاول التمسك بروحه ، ضاع صوت نحيبها مع صوت السماء و بكائها ، تلك الليلة حكم على قلب محب أن يتوقف عن النبض إلى الأبد ...


ارتدى الجميع السواد بيوم جنازته ، وقف الكثير من أصدقائه أمام قبره و هم يشاهدون شابا يدفن تحت الأرض معلنا نهاية حياة قصيرة ، وقفت آنجي و بجوارها وقف خطيبها ، عينيها لم تتوقفا عن ذرف الدموع و لا للحظة واحدة ، انتهت مراسيم الدفن و عاد كل واحد إلى حياته متناسيا أي ضحكة أو دمعة تشارك بها مع الشاب الميت .
عينيها حدقتا بشاهد القبر و عقلها بدأ يتذكر صورة الشاب الذي عاش و هو يحبها و مات و هو يحبها ، اقترب منها ديفيد :
- هل نذهب ؟
- علي أن أخبرك بشئ ...
- نستطيع أن نتكلم فيما بعد
- لا ... يجب أن أتكلم الآن و هنا ... ( أخذت نفسا عميقا و حدقت بالقبر ثم حولت بصرها إلى خطيبها ) نحن لا نشعر بقيمة الأشياء إلا إذا فقدناها
- ما الذي تقولينه ؟
ابتسمت بمرارة :
- لم أعرف بهذا إلا بعد أن رأيته يلفظ آخر أنفاسه .. لقد أحببته ، أكثر من كل شئ أحببت ابتسامته ، ضحكته ، خجله و كبريائه ، كل شئ به ... أحببت وجوده بحياتي ، حتى هذه الفترة القصيرة التي عرفته بها كانت تعني شيئا ، فقد غيرت شيئا بداخلي ، أنا سعيدة فعلى الأقل استطعت أن أتعرف عليه و أنا أؤمن يقينا بأن الإنسان يفضل أن يعيش يوما واحدا و هو يحب شخصا ما على أن يعيش مليون سنة دون أن يحب أحدا ، دايفيد .. لقد ظلمت نفسي بعدم الشعور بحبي له و لا أريد أن أظلمك ، قلبي ليس لك بل هو له إلى الأبد ...
خلعت خاتمها الذهبي ، الرباط الذي يجمعها بخطيبها ، رفعت يد محدثها الذي ألجمته الدهشة و سلمته الخاتم بهدوء و هي تردد :
- أنا آسفة .. قلبي ليس لك .. بل له إلى الأبد
*****

بعد يوم من هذه الحادثة ، طلبت الفتاة المعذبة الإذن لزيارة حبيبها الراحل في بيته ، استأذنت من أخته و دخلت غرفته ، رفعت أناملها لتلامس مكتب دراسته و كتبه المبعثرة عليه ، ثم نظرت إلى سريره المرتب ، جلست عليه و لامست يدها وسادته ، قربتها من وجهها لتفوح رائحته الزكية بأنفها ، ابتسمت بهدوء لكن دموعها أبت إلا أن تنزل بغزارة ، مسحتها و قررت أن الوقت قد حان للخروج ، نهضت لكن قدمها لامست شيئا ، أنزلت عينيها إلى الأرض لترى حافة دفتر أزرق تحت السرير ، انخفضت و سحبته ، عادت لتجلس على السرير من جديد ، فتحت ورقته الأولى ، اتسعت عينيها دهشة لرؤية صورة لوجهها :
- لقد رسمني ...
قلبت الصفحة الثانية ، لتقرأ كتابات متفرقة ، حولت بصرها إلى أسفل الصفحة لتقرا كلمة (الهدف) و تحته سهم كبير يشير إلى قلب الصفحة ، ففعلت بفضول ليكسر قلبها المفطور بكلمتين ( الزواج بآنجي ) ...

تمت

 

الموضوع الأصلي : بقايا حياة ضائعة     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : Maged



 توقيع :


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap 


الساعة الآن 09:52 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010