#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
كفّا قناص
قرص الشمس الأرجواني يلامس حافة الأفـق البعـيد، القنـاة هـادئة، تعبث بصفحة مائها نسمة خفيـفة، يعرف أن الزملاء بالملجأ، يشغلهم الآن إعـداد طعام الإفطار، لابـد أن "عبد العزيز" ـ المحامي مع وقف التنفيذ، لحين انتهاء الخدمة بالجيش، أو تحرير الأرض ـ مقرفصٌ أمام طبق السلاطة، يتفـنن في إعـداده كل يـوم، وأن "عيسى" ـ خريج الآداب بجامعة القاهرة ـ يسأل بحرصٍ زائـدٍ عن درجة سخونة الحسـاء، وأن "محمود" ـ المهندس الزراعي ـ يستعـد لرفـع الأذان من فـوق الملجـأ. مسح بمنظاره الشاطئ الآخـر، والساتر الترابي الممتد بمحـاذاته، ولا هـدف ظهر في محيـط عينيه حتى الآن، تـذرع بالصـبر، وأخـذ نفساً عميقاً من هـواء ما قبل الغروب عبـأ به صـدره، يعرف أنهم في الأيَّـام الأخـيرة، صاروا أكـثر حرصاً، بعـد أن ازدادتْ أعـداد قتـلاهم، الذين تم اصطيـادهم بالقنـص. اليوم الرمضاني طويل، لكنه لا يشعر بالجوع، فقط يحـس بالعطش، ينتظر بفارغ صـبر جرعة من "العرقسوس" الذي أعـدَّه الأوسطى "زيـدان" ميكانيكي الحملة، سيقول لـه ككـل مـرَّة بعـد أن يروي ظمـأه: ـ "تسلم يـداك يا عـم زيـدان". اخترق الساتر بعينـيه، رآهم يتحركون باحـتراز وخـوف، يحنون رءوسهم عنـد اقترابهم من القمم المكشـوفة، لابـد أنهم يلعنـون القنَّاصـة الذين حرموهم حـريَّة الحـركة. غرقتْ الشمسُ في مخبئها، لكن أشـعة ضوئها المكبوحة بالرحيـل، كانت باقيـةً هناك في الغيـوم الزرقـاء القليـلة المبعـثرة في السـماء. الله أكـبر.. الله أكـبر.. صـوتُ "محمـود" يحاول محاكـاة صوت "عبد الباسط عبد الصمد". أشهـدُ أن لا إلـه إلاَّ الله.. أشهـدُ أن محمـداً رسـول الله.. "العرقسوس" يا عـم "زيـدان".. خاطـب الفـراغ مبتسـماً، وحـرر قـدمه قليـلاً في موضع اختـبائه علي الشاطئ، تـدحرج حجـرٌ صغـيرٌ، ارتطـم بالماء مخلـفاً عـديداً من الـدوائر. علي شاطئ الـترعة، هنـاك في قـريته، كان يتبارى مع أقـرانه، يجمع قطـع "الشقف" الفخارية، يطوحها بالزاوية التي تجعلها تلامس حـافة الماء عشرات المرَّات، قبل أن تصـل إلى هـدفها بالتحـديد.. كم هـدفاً منهم أصـاب حتى الآن؟.. هـل سيضيف لرقمـه المسجَّل واحـداً جـديداً اليـوم؟.. تُـرى هـل ترقبـه عيـنان معـاديتان علي الشاطئ الآخـر المحـتل؟.. الله أكـبر.. الله أكـبر.. لا إلـه إلاَّ الله.. هل يتـناولون الإفطـار بـدونه؟.. وظهر الهـدف أخـيراً في محـيط عينيه، هـدف تحـرر قليـلاً من وطأة الاختـباء، لابـد أنَّه يعـرف أن الصـائمين مشغـولون الآن بتـناول طعامهم، ضبط الهـدف في بـؤرة عيـنه، حرك كفَّه وضغـط بإصبـعه الزنـاد، دوَّى الطلقُ الناري في أقـل من ثانيـة، ورأى على الشاطئ الآخـر الكـفَّ العاجـزة، التي ارتفـعتْ لا إراديـاً تصـد ـ دون جـدوى ـ الموت، وسقطت على الرمال. وقبل أن يبلـغ قائـد الوحـدة، أخرج الورقة، وأضـاف بقلمـهِ واحـداً للرقـم، وتسـلل بخفَّـة للملجـأ. وجدهـم أمام الباب في انتظاره، ما أن رأوه حتى صفـقوا لـه، وراحوا يحتضنونه بقـوَّة، والعـم "زيـدان" واقفـاً بإنـاء العرقسوس يقـول له: ـ "اجـرح صيامك يا بطـل". عنـدما كانوا يتناولون إفطـارهم في صمت، كانـوا ينتظرون ـ كالعادة ـ رد فعـل العـدو المتـوقع، عنـدما يبـدأ قصـفه العنيـف لمواقعـهم، في محـاولة يائسـة للانتقـام!
|
12-07-2012, 04:57 PM | #2 | |
نائب الاداره
|
تسلم الايادي على جهودك
يعطيك الف عآفيه على الطرح الرائع.. لاحرمنا منك ..آبدآ..ولآمن تميزك.. بآنتظار جديدك المتميز دمت بسعآدهـ ولك مني أرق تحيه |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|