ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

 


الإهداءات



 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-19-2013, 09:27 PM
:: الإدارة ::
ضى القمر غير متواجد حالياً
Egypt     Female
SMS ~ [ + ]




لوني المفضل Crimson
 رقم العضوية : 4
 تاريخ التسجيل : Jul 2011
 فترة الأقامة : 4709 يوم
 أخر زيارة : 12-25-2021 (02:59 AM)
 المشاركات : 41,480 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذكريات رغيف



ذكريات رغيف


" أحنّ
إلى خبز أمّي
وقهوة أمّي
ولمسة أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يومًا على صدر يومِ
وأعشقُ عُمْري لأنِّي
إذا مُتُّ أخجلْ
من دمع أمّي




في مشهدٍ بائس - كجداريّةٍ عتيقةٍ رُسمت بفحمٍ رديء - دبّت الحياة فجأة !
فتراءت الأحداث لناظرها في منحنيات الخطوط وطيّات الظّلال ..
الأرض محروقة ورمادُ حريقها متطاير ..الهواءُ خانق .. وهياكلُ الأشجار
المتفحمة تنتصبُ في كبرياءٍ مخنوقٍ انهارت له جدران المنازل .. فغدت
كآثار الأسلاف غير أنّك لن ترغب في استكشافها فلن تجد فيها إلا البؤس
المتّشح بسواد الألم، المحنّط في سحنات البؤساء .
في المشهدِ الكئيبِ الباهت ربّما مرُّت عربةُ إغاثةٍ "عاجلة" !! لتكون ( قبل مضيّها )أكثر أيقونات
المشهد وضوحًا ذلك أنّه يفترض بها حين تجيء , أن تحمل معها الحياة - بشكلٍ أو بآخر -
في صناديق الأدوية , وأكياس المؤن , بل وحتّى في الأكفان التي تلُمُّ مِزق الأشلاء لتقدِّمها
إلى الحياة الأخرى .
وحين يُهرع أهلُ الحيِّ الذي قصف حديثًا لتفريق المؤن- فصيحاتُ الرُّضّع لا تهدأ , وأنين الجرحى لا يسكن ,
والحياة تذوي شيئًا فشيئًا وتنطفيء - يتزاحم الأطفال حول الحدث بسماتهم الجذلى بسدِّ الرَّمقِ أخيرًا
- تلك البسمات المفعمة بحماس خجول - تلخّص لك بشاعة ما يمكن أن يقترفه الإنسان في حقِّ أخيه الإنسان .
وهناك تبقى وحدها ..
غير عابئةٍ بما حولها .. أوغير شاعرةٍ به أصلاً ..
طفلةٌ لا تجاوز سنّها السّادسة .. تظلّ في مكانها قاعدة على الأرض , مسندة ظهرها إلى حائط
متهالكٍ محروق الأركان _ ذلك كان منزلها_ مشبّكةً أصابعًا صغيرةً مغبرّة حول ساقين نحيلين
بدوا تحت فستانها الممزّق الذي برغم اهترائه واتّساخه يحتفظ بشيء من علائم أناقةٍ كانت له !
ساهمةً , مطرقةً إلى الأرض , في بقعةٍ لا تتغيّر ! وكأنّها صوصٌ جائع ينتظرُ خيرات الأرض لتُطعمه .
وجهها الصَّغيرُ , الجميلُ , البريء بقسماته الطُّفوليّة العذبة لا يحمل أيَّ تعبير ؛ وكأنّه
منحوتةٌ بديعة .. لولا الرّيحُ تعبث بشعرها الخفيف , لخيِّل إليك أنّها تمثالٌ رخاميٌّ ملائكيٌّ متقن !
وفي غمرة تأمُّلها المبهم يبرز أمام عينيها قرصٌ مستدير له رائحةٌ شهيّة بدا وكأنَّ السّماء
تهديه لها بحنان !! وحين ترفع بصرها عن رغيف الخبز قليلاً ترى وجهًا باسمًا , وعينان تلمعان ..
إنّه وجه تعرفه .. لطالما صحب هذا الشّخصُ والدها في غدُّوه ورواحه إلى حقول الذُّرة القريبة ,
والتي صارت اليوم حقول رمادٍ تذروه الرِّياح في طريقها أنّى هبّت .
ويمسك كفاها الصَّغيران الرغيف بهدوء .. ودون أدنى انفعال .. لكن ؛ ما إن يمسَّ راحتيها
الخاويتين دفؤه حتّى تعتمل في ذهنها شتّى الذِّكريات , وآلاف الصُّور !
لتومض في مخيّلتها صورةٌ لرغيفٍ طازج خبز توًا تمتدّ به إليها يدٌ رحيمة , بينما الأخرى تداعب خدّها بقرصة
لطيفة قبل أن تمرّ على شعرها وتمسّده لها بحنان , والوجه العطوف الباسم يغمرها بنظرات حبٍّ متّقدٍ لا يفتُر ..
تبتسم للذّكرى ..!!
ثمّ تنتبه من خيالات ذكراها على تنهيدةٍ عميقة بثّها صدر الشّخص الواقف أمامها تلتفت لتراه يهوي بجسده
المتهالك الى الأرض قربها ويدلِّي كفيه فوق ركبتيه المنتصبتين في ضجر , ويهمس لها مطرقًا بصوت منهك : " كُلي ..
كُليه قبل أن يبرد " .. ثمّ يطالعها بنظرة مشاكسة لا تخلو من شفقة عطوف ويكمل ملوحًا بأصبعه : "الجوّ بارد..
ولن يسرّك قضمه حين يجفّ" .
تنقل نظرها بآليّة إلى الرّغيف بين يديها ..
تتأمله للحظة ..
تزمّ شفتيها في ألم ..
تقربه إلى فمها و .. تقضم منه ..
وكأنّما أعطت شارة البدء لشريط ذكرياتها ليدور ويدور ويدور !
صور ومشاهد تلتمع في ذهنها .. كوميض برق في ليلة عاصفة !!
بسمات ضحكات وحكايات .. وجوه وشخوص .. بيوت وشرفات .. مروج خضراء حقول ممتدة وتلال .. وبيت ..!!
بيت حالم وادع على مرتفع - كان قلعة الأحلام بالنّسبة لها - ودرجات حجريّة تهبطها بمرح وتدور حول نفسها
بانفعال فيدور معها فستانها الذي اختارته بلون السّماء وأهازيج أفراح العيد زفرات رئتيها ..
يَطرب سمعها لصيحات الإعجاب من أخويها .. وثّناء والديها المحبّب يضفي عليها مزيد ألق ..
فتعلو الضّحكات من فيها بإيقاع جميل يتردّد صداه في هدأة اللّيل .. ليلة العيد !
لكنّ صوتًا آخر كان يدوّي عاليًا في رأسها .. يصمّ أُذنيها ..
تحاول التّذكر .. ما كان ذاك ؟
ليس صوت فرقعات ألعاب ناريّة ولا حتّى صوت طلقات احتفاليّة ..
لأنّه كان أشدّ قوّة .. ولأنّ السّماء كلّ السّماء تشبّعت بالدّخان حتّى لم تعد تُرى ..
والأرض كلّ الأرض تشتعل احمرارًا .. والأحداث تتسارع ..
صراخ وعويل يتردّد في الأرجاء .. تراكض ورعب و ..
لا تذكر ..
لا تذكر الكثير ..لكنّها لم تنسَ رائحة الموت والأجساد المتناثرة ..
لم تنسَ الجسد القويّ ملقى على الأرض والوجه المهيب مدمّى يغطيه التّراب ..
لم تنسَ الذراعين الحانيين .. كانا ينزفان بشدّة لكنّ حنانهما لم يُستنزف ..
فهاهما يلفّانها بسكون .. يحميانها بلا حياة .. فالعينان معتمتان لا بريق فيهما ..
لم تنسَ صراخ فتيين يقتادان إلى ظلام المجهول ..
لم تنسَ !
حين وصلت إلى هذه الذّكرى كان الدّمع قد انهمر من عينيها غزيرًا .. ساخنًا ..
ينساب بهدوء في خطّين متوازيين على وجنتين غضّتين توردتا حنقًا وألمًا ليكمل مسيله إلى رغيف الخبز بين شفتيها
يتشربه بانتظام رتيب قطرة قطرة في حين أنّ ارتجاف كتفيها ينبيك أي رعدة يكابدها صدرها وأيّ نشيج يضطرم في داخله ..
هنا تُحسّ جسمًا دافئًا يحطّ بثقله على رأسها ..
كانت تلك كفّ الجالس إلى جوارها الذّي أخذ يحركها بلطف أشعث خصلات شعرها
ويقول بنفس متقطّع : " لا تبكِ .. سينتهي الأمر و .. ستكونين بخير ..
( ستكونين بخير ) لم تكن جملة نطق بها بل كانت زفرة من لهيب حارق أطلقها !!
استدارت إليه وكان قد استقام بطوله أمامها ..
رنت إليه بعينيها الدّامعتين لكنّها لم ترَ ابتسامة ولا عينين بل وجهًا كئيبًا مظلمًا ..
اندفعت إليه تتشبّث به .. تدسّ وجهها الباكي في قميصه المترب وتشهق في انتحاب مرير
ورغيف الخبز لايزال عالقًا في قبضتها !!


" هرمتُ
فردّي نجومَ الطُّفولةْ
حتّى أشاركَ
صغارَ العصافيرْ
دربَ الرّجوع
لعشّ انتظارك

أمّي

مما تصفحت


 

الموضوع الأصلي : ذكريات رغيف     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : ضى القمر



 توقيع :



رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap 


الساعة الآن 10:15 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010