عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 03-02-2016, 03:37 PM
الاداره
fade غير متواجد حالياً
Egypt     Male
SMS ~


لوني المفضل Brown
 رقم العضوية : 2827
 تاريخ التسجيل : Nov 2012
 فترة الأقامة : 4202 يوم
 أخر زيارة : 01-26-2018 (06:12 AM)
 المشاركات : 36,614 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي القلب في القرآن




القلب في القرآن

د. بليل عبدالكريم
بعد أن تكلَّمنا حول الحواسّ، نبيِّن الجانب المكمل في التحصيل المعرفي، كما ورد في القرآن الكريم، وهو القلب، والذي ورد بمعانٍ وألفاظ؛ كالفؤاد واللبِّ، فكان في جميع الآيات التي بيَّنت طرق العلم وتحصيل المعرفة، بإثباتها أو نفيها، ذكر وسائل المعرفة وهي القلب أو الفؤاد ثم السمع والبصر؛ مثل: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
وفي الآية ما يفهم البليد فضلاً عن العاقل أن القلب أداة وظيفتها التعقل، والأذن أداة وظيفتها السمع، والعين (البصر) أداة وظيفتها الإبْصار، وجمع بين القلب أو الفؤاد وحاسَّتي السَّمع والبصر في حوالي "20" آية، كلّها تنبئ أن القلب أداة داخلية في الجسم، دورها متكامل مع الحواس الخارجية، بخاصة السَّمع والبصر.
بل لم يرد قطُّ ذكر أنَّ غير القلب والفؤاد هو من أدوات العلم، بل عُزِيت جميع الوظائف العقلية من تعقل، وتفكر، وتدبر، ونظر، وتأمل وغيرها إلى جهة واحدة، وهي القلب أو الفؤاد أو اللب.
رغْم أنَّ هذه الدراسة لا ترمي إلى المقارنة بين المذاهب، فإنا نطرح إشكالاً لا يُصادف في غالب الدراسات حول نظرية المعرفة باسم القرآن الكريم، وهو أنَّه رغم إقرار الجميع بأن الأدوات المعرفية في القرآن الكريم ثلاثة لا رابع لها، وهذا ما يكاد يجمع عليه المفسرون قاطبة في تفسير الآيات التي جمعت القلب أوالفؤاد مع السمع والبصر - خاصة آية النحل: 78[1] - فخصَّ السمع والبصر والفؤاد لشرفها عن باقي الأعضاء، ولأنها مفتاح لكل علم، فلا يُوصل إلى العلم دون هذه الأبواب الثلاثة، وهذا مما اتَّفق عليه العقلاء، وجميع علماء المسلمين، باختلاف طوائفهم ونِحلهم، وما يحزّ في النفس أنَّ بعض الباحثين - خاصَّة المعاصرين، رغْم الدلائل المتواترة تلك، بل وإقْرارهم الواضح بها - تجِدُهم بعد صفحات من تقْريرهم لها، ينتكِسون على رؤوسهم، فيجعلون العقل، وهو وظيفة بدلالة القرآن وكلام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستعمالات اللغة العربيَّة وأهل الأصول، والفقهاء، والمتكلمين؛ يجعلون العقل جوهرًا وجسمًا بالرَّأس؛ أي: يتعاملون معه اصطلاحًا ومفهومًا على أنَّه "أداة" للمعرفة، وأنَّه جسم، فيقسمون الفهارس، ويجعلون العقْل مقابلاً للحواسّ، والإدراك العقلي مقابلاً للإدراك الحسي، فيحدث خلط في الفهم لأي قارئ متخصّص، بل لا يقدر عن فهْم أوجه الخلاف، وأشدّ من ذلك أن يقولوا بعد استِدلالهم بالقرآن على أنَّ العقل في القلب: إنه في الدماغ، ودون ذكر أي دليل على ذلك، والذي يتضح من البحث - وهو ما نواصل عليه الدراسة -: أنَّ القلب وسيلة وأداة للمعرفة، من وظائِفه التعقُّل، والمعرفة الناتجة عن القلب: إدراك قلبي، يقابل الإدراك الحسي، والعقل يقابل الإحساس لا الحواسّ، وسنبين كل ذلك في ثنايا البحث بالتفصيل - إن شاء الله.
الفرع الأول: مفهوم القلب في القرآن الكريم:
قال أهل اللغة في معناه: هو الفؤاد، والعقل المحض، وخالص كل شيء، والتقلُّب: الحيلة[2].
والقُلَّب: الذي يقلب الأمور عن عِلْم بها.
فالقلب في أصل معناه: خالص كل شيء، وسميت المضغة الصنوبرية قلبًا؛ لكونها أشرف الأعضاء لما فيها من العقل - على رأي - وسرعة الخواطر والتلون في الأحوال، ولأنَّها مقلوبة الخلقة، والوضع كما يشهد به علم التشريح.
ومن تقاليبه القَبول والقابلية، وهو سيد البدن، المعوَّل عليه في الصلاح والفساد، وأعظم الأعضاء الموسومة بالسعة من جانب الحق، ومعدن الروح الحيواني للنفس الإنساني، ومنبع الشعب المنبثة في أقطار البدن، ومنه ترد الحياة إلى الأعضاء الجسمية؛ على قدر السوية بمقتضى العدل.
ويسمَّى عند بعض الفلاسفة: "بالنفس الناطقة، والروح الباطنة، والنفس الحيوانية المركبة، وهي النفس المدركة العالمة من الإنسان والمطالبة والمعاقبة"[3].
قال الجرجاني: "القلب مصطلح على اللطيفة الربَّانية بالقلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع من الصدر، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان"[4].
أمَّا القلب الصنوبري، ل إنه سبع طبقات هي[5]:
1- الصدر: وهو محلّ الإسلام ومحل الوسواس، والحفظ والذاكرة.
2- القلب: وهو محل الإيمان، والتعقّل، والسمع والبصيرة.
3- الشغاف: وهو محل محبة الخلق.
4- الفؤاد: وهو محل رؤية الحق.
5- السويداء: وهي محل العلوم الدينية.
6- مهجة القلب: وهي محل تجلي الصفات.
7- حبة القلب: وهو محل محبة الحق.
وأدلَّة كلّ طبقة:
{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام: 125].
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7].
{قَدْ شَغَفَهَا حُباًّ} [يوسف: 30].
{مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11].
{لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: 179].
{وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11].
والقلب يطلق على أمرَين هما:
الأول: تلك المضغة الصنوبرية التي خلقها الله - تعالى - في جوف ابن آدم، وهي على هذا المعنى جزء من عالم الشهادة، كما هو معروف في علم الطب العضوي.
والثاني: تلك اللطيفة الروحانية التي لا يعلم أحدٌ بحقيقتها، وهي على هذا المعنى جزء من عالم الغيب[6].
بهذا تتجلى في هذا الإنسان مكوناته المادية والروحية، فهو قبضة من طين، ونفخة من روح.
وفي حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - جمع المعنيين: ((ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))[7].
قال ابن حجر[8]: "أي: قدر ما يُمضغ، وعبَّر بها هنا عن مقدار القلب في الرؤية"[9].
فالإنسان لحم ودوْرة دموية، وهو مخلوق خلَقه الله بيده، ونفخ فيه من رُوحِه، وجعل له هذا القلْب الصنوبري سببًا من أسباب الحياة، ومركزًا للفؤاد واللبّ[10] والتعقُّل متمركِز به، فالقلب هو رئيس الجسم بنصّ الحديث، وصلاحه بصلاح معتقده وإرادته وقصده، وكلها حكمها للتعقل؛ فلزم أن يكون متمركزًا به.
وحيثما ذكر القلب في القُرآن الكريم فإشارة إلى التعقُّل والتعلُّم، وحيثما ذكر الصَّدر فإشارة على ذلك وإلى سائر القوى من الشهوات والهوى والغضب ونحوها، فالقلب موضع الشعور والأهواء والعقيدة والوجدان[11]، والعقل والرأي[12]؛ قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: 179]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]، فهو محلّ العقْل والفقْه والبصيرة والإرادة والسكون، وهو رئيس البدن وخالص الروح الإنسانية؛ لذا قال أبو حامد الغزالي: "هو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطب والمعاتب والمطالب"[13]، فالقوَّة المدركة بالقلب الصنوبري تسمَّى قلبًا.
ويرِد القلب في القرآن على معان ثلاثة[14]:
أوَّلها: العقْل، وذلك في مثل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37]؛ أي: قلب زكيّ حي ذكيّ، يتذكَّر إذا سمع كلام الله، وإلا فوجوده من عدمه سواء؛ لأنه معطل عن جانبه المعرفي والإرادي، قائم بدوْرِه الجسماني فقط، وهذا شائع في استِعمالات العرب في حال من لا يتَّعظ[15].
الثاني: الرأي والتدبير، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14]، وذاك سبب شقاقِهم؛ لأنَّ نواياهم متضادَّة، وتوجهاتهم متناقضة.
الثالث: حقيقة القلب الذي هو في الصَّدر؛ {وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
وهذا كله يناقض النظرية القائلة بأنَّ العقل وظيفته الإرادة والتفكير وعملياته، والقلب وظيفته العاطفة والأحاسيس الوجدانية، فلا أساس علمي ترتكز عليه هذه النظرية يمكن الركون إليه، فضلاً عن أن يعتقد ويتبنَّى.
وخلاصة المسألة حول مفهوم القلب هي: القلب له دلالتان:
الأولى: هي الجارحة الصنوبريَّة الجسمية، وهذه لم ترِد في القرآن الكريم.
الثانية: قوَّة الجارحة، وهي اللطيفة الربانية الموجودة بهوهي عبارة عن التعقُّل وجميع آلياته من تفكّر وتدبّر ونظر وإدراك، وهذا هو الجانب المعرفي في القلْب.
وقد يطلق على القلب عقلاً، مثْلما أطلق على الأذن السمع، فسمِّيت الجارحة "الأداة" بوظيفتها، وقد تذكر الجارحة والمراد وظيفتها، خاصَّة في القرآن؛ لأنَّه لم يورد الأدوات من الناحية التشريحية بل من النَّاحية الوظيفية فقط، غير أن العقل هو أحد القوى الإدراكية لا كلها؛ فهناك الفكر والذاكرة والحافظة والفهم وغير ذلك.
كما أنَّ للَّطيفة الربَّانية الجانب الثاني وهو العاطفة والوجدان، من شهوات وهوى، فللقلب جانبان هما العقل وهو المانع، والهوى وهو المريد، وينتج عنهما الإرادة التي يتولَّد بعدها العزم، فيصدر القلب الأوامر للأعضاء بالجسم؛ كيما تنفذ تلك الإرادة بعد تداولها بين العقل والعاطفة، وهنا نريد بالعقل المعلومات الكامنة بالقلب والعمليات العقليَّة معًا[16]، فالقلب هو أداة وظيفتها المعرفية التعقل كما أن الأذن أداة وظيفتها المعرفية السمع، والعين أداة وظيفتها المعرفية البصر[17].

 

الموضوع الأصلي : القلب في القرآن     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : fade



 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس