أبو عبد رب ، عبيدة بن المهاجر

كانت دمشق فى ذلك الوقت عاصمة الخلافة الأموية، وربما أكثر مدن الدنيا رخاءً وثراءً.

وكان أبو عبد رب من أكثر أهل دمشق مالا. كان تاجرًا يجوب الشرق والغرب فى تجارته الناجحة التى تدر عليه أموالاً طائلة.

فى إحدى رحلاته التجارية ذهب إلى أذربيجان، فنزل بقافلته فى إحدى سهولها الخضراء وضرب بها خيامه إلى جانب نهر هناك لقضاء الليل. وخرج يمشى قليلا بحذاء النهر فى ضوء القمر الساحر. وبينما هو فى ذلك إذ سمع صوتًا واهنًا يحمد الله ويشكره ويثنى عليه.

التفت أبو عبد رب يمينا ويسارًا، وتتبع مصدر الصوت حتى عثر على رجل ملفوف فى حصير ملقى فى حفرة من الأرض، فألقى عليه السلام، فرد الرجل. فسأله أبو عبد رب:

- من أنت؟

- رجل من المسلمين.

رأى أبو عبد رب الرجل عن كثب فإذا به من أصناف البلاء الشئ الكثير، فرق له وقال:

- قم معى إلى منزلى حيث الدفء والطعام والشراب .

فنظر إليه الرجل وقال:

- أنا فى غنى عن هذا والحمد لله.

سطعت هذه الكلمات على قلب أبى عبد رب كما تسطع الشمس الدافئة على الجليد فتذيبه، فهانت عليه الدنيا، واستصغر نفسه ومقتها وراح يخاطبها موبخًا:

- إنى لم أخلف بدمشق رجلاً أكثر مالاً منى، ومع ذلك التمس الزيادة وانشغل بذلك عن ربى.

اللهم إنى أتوب إليك من سوء ما أنا فيه..

ورجع مسرعًا إلى خيامه وتجارته، وقد عقد عزمه على أمر لم يُطلع عليه أحدًا من رفاقه.

فلما كان السَّحَر رحلت القافلة إلى وجهتها، وتوجه هو على دابته إلى دمشق. فتصدق بماله كله.

كان رجل يشترى ثوبًا فأخذ يماكس البائع طويلاً من أجل إنقاص ثمنه، فلما أكثر عليه سأله البائع: ممن أنت؟ قال: من دمشق. فقال البائع:

- ما تُشبه شيخًا وفد علىّ أمس يُقال له أبو عبد رب من دمشق اشترى منى سبعمائة كساء ما سألنى أن أضع له درهمًا، وما زال يفرقها بين فقراء الجيش، فما دخل إلى منزله منها بكساء.

ثم باع داره بدمشق، وتصدق بثمنها أيضا، ولما مات لم يجدوا معه إلا ثمن الكفن الذى كُفن به.

وكان إذا قابله أحد من أصحابه الذين رأوه فى حال الثراء وحال الفقر يقول لهم:

- والله لو أن نهركم هذا سال ذهبا وفضة، من شاء خرج إليه فأخذ منه ما شاء، ما خرجت إليه.. ولو قيل من مس هذا العود مات لسرنى أن أقوم إليه شوقًا إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

طرح رآئع كروعة حضورك
دمتي ودآم فيض عطآئك
كل الشكر لك ويعطيك العآفية
بآقآت الورد لروحك الطيبة ~