كتاب من السماء.

كتاب من السماء.

تردد كثيرا في فتح ذلك الكتاب، لكنه فتحه أخيرا، تذوق الصفحة الأولى، راقه المذاق فشرع يلتهم الصفحة تلوى الأخرى، شعر كأن الحقيقة بدأت تتبدى، حين يقلب الصفحة يسأل مجيبا نفسه: ماذا علمونا؟ لقد حجروا أمخاخنا الطرية. زاد حقده على معلميه السابقين لكنه سرعان ما زال بعد أن بلغ الصفحات الأخيرة. لقد أنهى الكتاب.
عرف الآن لماذا دفن مع عشيرته في غياهب تلك الجبال قاطنين أكواخا مهترئة، و لماذا كان يمتطي أبوه حمارا أعمى ليس حتى بحمارهم، و لماذا يقف مشغله عليه وقفة عسكرية معنفا إياه بصوته، و لماذا كانت بقايا السنابل تجرح سافلة أقدامه، عرف لماذا يحس أحيانا أنه مخلوق غير بشري، ولماذا لم يستطع أحد من أفراد قبيلته بلوغ قمة جبل النعمة جنبا إلى جنب مع علية القوم، عرف الآن لماذا شاخ قبل الأوان ، عرف الآن كم هدر دهره، عرف و عرف...تناول الكتاب، قبله قبلة الإبن البار لجبهة والده الحنون، دسه تحت مخدة رأسه و نام قرير العين.