عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2012, 10:52 AM   #8
مشرف قسم


أسد العرب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6
 تاريخ التسجيل :  Jul 2011
 العمر : 33
 أخر زيارة : 03-01-2018 (05:28 PM)
 المشاركات : 2,206 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkblue
افتراضي



8- ولََّادة بنت المستكفي
(توفيت 484 هـ - 1091 م)
عاشت ولادة في الفترة ما بين عامي ( 994- 1091) أي قبل نحو ألف عام، وقد اشتهرت بالشعر وبجزالة الألفاظ والجُرْأة، وكانت عفيفة ذات شَرَف، ولم يُذْكَر عنها الفسوق أو ما شابهه، رغم جرأتها وعاطفتها التي كانت تظهر جلية في شعرها.
وهي من الشاعرات الأندلسيات القلائل اللاتي نظمْنَ الشعر وأجَدْن فيه، وحَفَرْن أسماءهن على صفحة التاريخ.
اتهمها البعض بأنها كانت لَعُوبًا، فقد وصِفَتْ بالحُسْن بالإضافة للجرأة في الحديث وفي نَظْم الشعر، وبعض ما كتَبتْه لا يرقى أن يكون قصائد من حيث عدد الأبيات، لكنه قصيد مكتمل من حيث المعنى.
وأكثر ما ميَّزها مجلسها الشِّعْرِي الذي كان يؤمُّه الشعراء والأدباء والأعيان يتداولون فيه الأمور الأدبية والشعرية ، وكانت معروفة بالكرم وحُسْن المعشر، واحترام الشعر والشعرا،ء وهذا ما دفع بعض الرواة لتناول سيرتها على أنها مثيرة للجدل، حيث كانت تبوح بما لديها بشكل واضح وصارخ» (1) .
قال عنها العلامة الصفدي:
«هي ذات أدبٍ ولُطْفٍ ونادرةٍ وعشرةٍ وبَذْل حِجابٍ لمن يتعشُّقها، تُجالِس الأكابر وتُحاضِر الشعراء، على ما هي فيه من الجمال البارع.
وكان ابن زيدون قد شغفه حُبُّها، وله فيها القصائد الطنانة، وفي الوزير ابن عبدون هذا أنشأ ابن زيدون الرسالة التي جعلها على لسان ولادة لَمَّا بلغه أنه يَهواها، وأوَّلُها: «أما بعد: أيها المُصاب بعقله، المُوَرَّط بِجهْله... » أتى فيها بكل مَثَلٍ وكل غريبة» ( 2).
اسمها ونسبها
هي ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الأموي، شاعرة وأميرة أندلسية، من بيت الخلافة، فأبوها هو الخليفة المستكفي بالله، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الناصري الذي تولى الخلافة في قرطبة عام 414هـ وقد كان خليفة ضعيفًا، وقع في عصره قلاقل ومِحَن.
اشتهرت بثقافتها واتصالها بذوي الأدب، ومعظم ما يذكره المؤرخون عنها يتصل بمجلسها الأدبي الذي كان يحضره الكثيرون من أهل الأدب ووجهاء القوم بقرطبة. ويقول عنها ابن بسام في الذخيرة: «وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار أهل المصر، وفناؤها ملعبًا لجِياد النظْم والنثْر، يعْشو أهل الأدب إلى ضوء غُرَّتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها ».
وقد وصفها ابن بسام بكرم أنساب وطهارة أثواب. ولكنه ذكر أن قلة مبالاتها بما يقوله الناس عنها، دفعت الرواة إلى إضافة أشياء إليها لم تقلها ولم تفعلها.
ويُبْدي ابن بسام شكَّه في أنها كانت تقْرِض الشعر، كما يُبْدِي شكه فيما نسبه الرواة إليها من أنها كانت تكتب على عاتِقيْ ثوبها بيتيْن قالتْهما في المُجُون.
غرام الأدباء بها:
ارتبطت سيرة ولادة بالشاعر الأندلسي ابن زيدون، في قصة من أشهر قصص الحب والمعاناة والهجر في الأدب العربي. وقد حكت أشعار ابن زيدون مأساته مع ولادة. ومن أشهر قصائده فيها نونيته التي مطلعها:
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا ... وناب عن طِيب لُقْيانا تَجَافينا
وقد نافس الوزيرُ ابنُ عبدوس ابنَ زيدون على قلب ولادة، فهجاه ابن زيدون برسالة ساخرة عُرِفَتْ في تاريخ الرسائل الأدبية باسم "الرسالة الهزَلية"، سخر فيها منه سخرية مريرة. والرسالة مكتوبة على لسان ولادة تصدُّ فيها ابن عبدوس وتتهكم به.
وقد كتب ابن زيدون في الرسالة أشياء لا تتناسب مع ما يصوره شعره في ولادة من العواطف النبيلة. وبدا شخصها في الرسالة لا يحمل تلك السِّمَة المثالية العذْبة والمتسمة بالمهابة التي يُوحي بها شعره فيها، وقد بدت وكأنها غانية يحيط بها العُشاق، وتُفاضِل بينهم حسب ميزاتهم.
وقد حُكِيَ أن ولادة لما اجتازت بالوزير أبي عامر بن عبدوس وهو جالس على باب داره، وأمامه بِرْكة تتولَّد مِنْ مراحِيض وأقذار، وحوله جماعة من أصحابه. فوقفتْ عليه وقالت: يا أبا عامر:
أنت الخَصِيب وهذه مِصْرُ *** فتدفَّقا فَكِلاكُما بَحْرُ! (3)
مِنْ أدَبِها وشِعْرِها
كانت ولادة تحب الشعر، وكانت مع ذلك مشهودة بالصيانة والعفاف، حيث كانت شاعرة وأديبة من شعراء الأندلس، وكانت في قولها حسنة وجزلة الألفاظ، كما كانت تناضل الشعراء، وتُساجل الأدباء وتفوق البرعاة، فكان مجلسها في قرطبة ملعبا بجِياد النظم والنثر .
وقد نُسبَتْ إلى ولادة أبيات شعر في الهجاء المقذع لابن زيدون، مثلما نُسبتْ إليها أبيات في المُجُون. وإن صحت نسبة هذه الأبيات لها، فإنه يبدو محتملًا إلى حد بعيد ما رآه بعض الباحثين من أن إقحام ابن زيدون لها في الرسالة الهزلية، بصورة لا ترضاها لنفسها ربما كان هو السبب وراء هجائها له.
يقول الأستاذ عبد الله بن عفيفي الباجوري في كتابه النفيس «المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها» وهو يشرح حال المرأة في العصور الأولى للأندلس:
«بدأت المرأة الأندلسية في هذا العصر تنكشف وتأخذ فيما أخذ الناس فيه مِنْ لهْو ونعيم، وجاذبت الرجل فنون المرَح، وقالت ما لم يكن يقوله غيره مِنْ تغَزُّل وتَخالُع وتفرُّق وتواصُل، ومناقصة ومماجَنة، ومُناقلة ومُداعبة، ولكن الأخلاق بقيتْ في جملتها مستمسكة في هذا الجيل من النساء.
وأوَّل مَنْ سنَّتْ للنساء سُنَّة الانكشاف والاستخفاف: وَلاّدة بنت المستكفي سليلة بيت المُلْك الأُموي في الأندلس.
وكان أبوها المستكفي بقية ملوك أمية، ولم يُمْهِلْه الزمنُ حتى غُلِبُ على أمْره، وقُتِل، ومِنْ بعدَهَ حَسَرتْ(4 ) ولادةُ حجابَها، واتخذت قصرها مهْبطًا ومنتدى خصيبًا يأوِي إليه كل مُبْدِع مُنقَطِع النظير من الكُتَّاب والشعراء.
ومن هؤلاء: الوزراء والعلماء والقضاة والولاة، فيتجاذبون الأدب، ويتساجلون الشعر، ويتناولون النقد ويتناقلون الحديث، وما كانت ولَّادة بِمُقصِّرة عن السابقين الُمجَلّين مِنْ هؤلاء، بل إنها لتُعَدُّ مِنْ مُبْتكِرات الشعر الأندلسي الحديث.
وكم من الشعراء من يُحْسِن أنْ يقول قولَ ولادة:
ودَّعَ الصبْر مُحبُّ ودَّعَك *** ذائعٌ مِنْ سِرِّه ما استودَعَك
يقرع السِّنَّ على أنْ لم يكن *** زاد في تلك الخُطَى إذْ شَيَّعَك
يا أخا البدر سَنا وسَنا *** حفظه الله زمانًا أطلعك
إنْ يَطُل بعدك ليْلِي فلكم *** بِتُّ أشكو قِصَر الليل معك
بل كم منهم مُن يُحْسِن أن يقول قولَها للوزير الكاتب الشاعر ابن زيدون:
ترقَّب إذا جَنّ الظلام زيارتي *** فإني رأيتُ الليل أكْتَمَ للسِّرِّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلُحْ *** وبالبدر لم يطلع، وبالنجم لم يَسْرِ
وعلى رغم ما أقدمت عليه وَلاّدة من هَتْك حِجابِها وتسْنِية أبوابها( 5).
يقول المؤرخون: إنها لم تَنْزَع إلى رِيبَة، أو تنْزَلِق إلى مأثَمة(6)، وأقامت حياتها لم تتزوج، وعُمَّرَت طويلًا، وتوفيت في العام الرابع والثمانين من المائة الخامسة بعد أن بلغتْ الثمانين من العمر.
ولولادة صواحب نشأن على أدبها، وانكشفن على سُنَّتها، وأخذْن في الدُّعابة مثل مأخذها.
ومن هؤلاء: «مُهْجة القرطبية» وكانت أشد اندفاعا في مَجانة الشعر من أُسْتاذتها، وقد حاولنا أن نرى لها شعرًا بريئًا لِنُثْبِتَه فلم نجد، على أن شِعْر ولادة لم يكن في متناول النساء؛ لأن فيه فحولة وجزالة، وهو بشعر الرجال أشبه» (7).
قال السيوطي في « نزهة الجلساء في أشعار النساء» في مَدْح ولادة:
«كانت مشهورة بالصيانة والعفاف، وفيها خلع ابن زيدون عِذَارَه(8)، وله فيها القصائد والمُقطَّعات. وكانت له جارية سوداء بديعة القَوَام، وقد ظهر لولادة من ابن زيدون مَيْلٌ إليها فكتبتْ إليه:
لو كنت تُنْصِف في الهوى ما بيننا *** لم تَهْوَ جاريتي ولم تتَخَيَّرِ
وتركتَ غُصْنًا مُثْمرًا بجماله *** وجنَحْتْ للغصن الذي لم يُثْمِرِ
ولقد علمتَ بأنني بدرُ السماء *** لكنْ وَلعْتُ لشقوتي بالـمُشَترِي(9)
يقول الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي في مقالته: « ابن زيدون »: «كانت ولاّدة بنت المستكفي -الخليفة الأموي بالأندلس- أديبة، شاعرة، جزلة القول، حسنة الشعر. تناضل الشعراء وتُساجِل الأدباء. وعُمِّرتْ عمرًا طويلًا ولم تتزوج قط. جاءت على خلاف أبيها في كل أوصافها، فكانت مصداقًا لقوله تعالى: {يخرج الحيّ من الميت} [سورة الأنعام الآية: 95 ].وقد ابْتُذِلَ حِجَابُها بعد نكبة أبيها وقتْلِه، فصارت تجلس للشعراء والكتاب وتعاشرهم وتحاضرهم، ويتعشَّقها الكبراء منهم.
وكانت على خلق جميل، وأدب غضِّ. وكان لابن زيدون معها أخبار تطْرِفُ القلوب، وتشْغِفُ المسامع. لأنه خلع في هواها العُذْرِي عِذَارَه (10). وقد شهد المؤرخون كلهم لها بالعفة والصيانة »( 11).
وفاتها
وقد عُمِّرَتْ عمرًا طويلا، ولم تتزوج، وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين، وقيل أربع وثمانين وأربعمائة.
قلتُ: قد حيَّرني أمر هذه الأديبة النابغة في تنكِّبِها عن الزواج مع كثرة الخُطَّاب والمُعْجَبين! أم أن الأمر كما يقول الناس في أمثالهم: ( خطبوها فتعَزَّزَت! ).
نعم: ربما يكون لها بعض تلك الأعذار التي ذكرناها في ترجمة «عائشة بنت أحمد القرطبية ». فانْظرْها هناك- غير مأمور.


 
 توقيع :
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس