أعقٌّ الناس وأبرُّالنـــاس
قال الأصمعى:خرجت يوماًإلى البادية فرأيتُ
رجلاًكبيراًقدأضعفه الهِرَمُ وأثقل كاهله المشيب
ولكننى رأيت فى عنقه حبلاًودلْوَاً وهوينزح من
بئرٍ عميقة والجوصيف قائظٌ حارٌ،ورأيت خلفه
شـــاباً قوياًيضربه إن توانى وينهره إن أبطــأ
،فأخذتنى الشفقة عليه والرأفــة بحــاله،فأقبلتُ
علي الشاب وقلت له:أَوَماتتقى الله فى هذاالشيخ
الضعيف،اوَمايكفيه مايعانى من ضَعفٍ وهزال فى
هذاالحرالشديد؟فزجرنى الشاب وقال:لاشأن لك به
فهـــوأبى وأصنع به ما أشاء،فتعجبتُ من أمـره
وقلت له:إن هذاعذرٌأقبح من الذنب فلاجزاك الله
عن والدك خــيراً،فقال الشاب وقدأخذه الغضب:
لاتدع علىَّ ياســيدى فإنه كان يفعــل هذا بأبيــه
،فانصــرفت عنه وأنا أقول فى نفسى :إن لله فى
خلقه شــئون، ثم واصلت رحلتى بين الأعراب
حتى مررت ببســتانٍ نضيرٍ يانع الثمارمتفتح
الأزهـار،فقلت آوى إليه من لفحة الجو ولهيب
القيظ،فلمادخلته رأيت رجلاً وإلى جانبه زنبيل
نظيف مملوءبالقطن المندوف كأنه والله الحرير
والديبـــاج،ورأيت فــوق هذاالقطن شيخاكبيراً
والرجل يطعمه بيده أشهى الثمار،فقلت له:ياأخى
يرحمك الله من يكون هذاالشيخ؟فقــال:إنه أبى
وقــد تقدمت به السنُّ وطــال به العمروأناأقوم
على راحته بنفسى ولاأتركه لغيرى،فقلت:جزاك
الله عن برك بوالدك أحسن الجزاء،ثم عُدت من
رحلتى هذه وقدرأيت أعَقُّ الناس وأبَرُّالناس
|