قصة جميلة..عن دهاء العرب قديما
قصة في دهاء العرب قديما .. فأين نحن منهم الآن !!
يحكى أنه كانت هناك قبيلة تعرف باسم بني عرافه ؛ وسميت بذلك نسبة إلى إن أفراد هذه القبيلة يتميزون بالمعرفة والعلم والذكاء الحاد !
وبرز من هذه القبيلة رجل كبير حكيم
يشع من وجهه العلم والنور ، وكان لدى هذا الشيخ ثلاثة أبناء سماهم جميعا
بنفس الاسم ألا وهو (عبدالله) ؛ وذلك لحكمة لا يعرفها سوى الله ومن ثم هذا
الرجل الحكيم .
ومرت الأيام وجاء أجل هذا الشيخ وتوفي ، وكان هذا الشيخ قد كتب وصية لأبنائه يقول فيها :
(عبدالله يرث ، عبدالله لا يرث ، عبدالله يرث) !
وبعد أن قرأ الأخوة وصية والدهم وقعوا في حيرة من أمرهم لأنهم لم يعرفوا من هو الذي لا يرث منهم !
ثم أنهم بعد المشورة والسؤال قيل
لهم أن يذهبوا إلى قاضي عرف عنه الذكاء والحكمة ، وكان هذا القاضي يعيش في
قرية بعيدة ... فقرروا أن يذهبوا إليه ، وفي الطريق وجدوا رجلا يبحث عن شي
ما ، فقال لهم الرجل : هل رأيتم جملا ؟
فقال عبدالله الأول : هل هو أعور ؟ فقال الرجل نعم .
فقال عبدالله الثاني : هل هو أقطب الذيل ؟ فقال الرجل نعم .
فقال عبدالله الثالث : هل هو أعرج ؟ فقال الرجل نعم .
فظن الرجل أنهم رأوه ؛ لأنهم وصفوا الجمل وصفا دقيقا . ففرح وقال : هل رأيتموه ؟ فقالوا : لا .. لم نره !
فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وقد وصفوه له ! فقال لهم الرجل أنتم سرقتموه ؛ وإلا كيف عرفتم أوصافه ؟
فقالوا : لا والله لم نسرقه . فقال الرجل : سأشتكيكم للقاضي ، فقالوا نحن ذاهبون إليه فتعال معنا .
فذهبوا جميعا للقاضي وعندما وصلوا
إلى القاضي وشرح كل منهم قضيته ، قال لهم : اذهبوا الآن وارتاحوا فأنتم
تعبون من السفر الطويل ، وأمر القاضي خادمه أن تقدم لهم وليمة غداء ، وأمر
خادما آخر بمراقبتهم أثناء تناول الغداء ..
وفي أثناء الغداء قال عبدالله الأول
: إن المرأة التي أعدت الغداء حامل . وقال عبدالله الثاني : إن هذا اللحم
الذي نتناوله لحم كلب وليس لحم ماعز . وقال عبدالله الثالث : إن القاضي ابن
زنا ..
وكان الخادم الذي كلف بالمراقبة قد
سمع كل شي من العبادلة الثلاثة . وفي اليوم الثاني سأل القاضي الخادم عن
الذي حدث أثناء مراقبته للعبادلة وصاحب الجمل ، فقال الخادم : إن أحدهم قال
أن المرأة التي أعدت الغداء حامل ! فذهب القاضي لتك المرأة وسألها عما إذا
كانت حاملا أم لا ، وبعد إنكار طويل من المرأة وأصرار من القاضي ؛ اعترفت
المرأة أنها حامل ، فتفاجأ القاضي كيف عرفوا أنها حامل وهم لم يروها أبدا !
ثم رجع القاضي إلى الخادم وقال : ماذا قال الأخر ؟ فقال الخادم الثاني :
قال أن اللحم الذي أكلوه على الغداء كان لحم كلب وليس لحم ماعز . فذهب
القاضي إلى الرجل الذي كلف بالذبح فقال له : ما الذي ذبحته بالأمس ؟ فقال
الذابح أنه ذبح ماعزا ، ولكن القاضي عرف أن الجزار كان يكذب ؛ فأصر عليه أن
يقول الحقيقة إلى أن اعترف الجزار بأنه ذبح كلبا لأنه لم يجد ما يذبحه من
أغنام أو ما شابه . فاستغرب القاضي كيف عرف العبادلة أن اللحم الذي أكلوه
كان لحم كلب وهم لم يروا الذبيحة إلا على الغداء ! وبعد ذلك رجع القاضي إلى
الخادم وفي رأسه تدور عدة تساؤلات ، فسأله إن كان العبادلة قد قالوا شيئا
آخر . فقال الخادم : لا لم يقولوا شيئا . فشك القاضي في الخادم ؛ لأنه رأى
على الخادم علامات الارتباك ! وقد بدت واضحة المعالم على وجه الخادم ؛ فأصر
القاضي على الخادم أن يقول الحقيقة ، وبعد عناد طويل من قبل الخادم قال
الخادم للقاضي : أن عبدالله الثالث قال أنك ابن زنا فانهار القاضي ! وبعد
تفكير طويل قرر أن يذهب إلى أمه ليسألها عن والده الحقيقي .... في بداية
الأمر تفاجأت الأم من سؤال ابنها وأجابته وهي تخفي الحقيقة ، وقالت أنت
ابني ، وأبوك هو الذي تحمل اسمه الآن . إلا أن القاضي كان شديد الذكاء ؛
فشك في قول أمه وكرر لها السؤال .. إلا أن الأم لم تغير أجابتها ، وبعد
بكاء طويل من الط رفين ، وإصرار أكبر من القاضي ؛ في سبيل معرفة الحقيقة
خضعت الأم لرغبات ابنها وقالت له أنه ابن رجل آخر كان قد زنا بها ؛ فأصيب
القاضي بصدمة عنيفة كيف يكون ابن زنا ، وكيف لم يعرف بذلك من قبل ! والسؤال
الأصعب كيف عرف العبادلة بذلك !
وبعد ذلك جمع القاضي العبادلة
الثلاثة وصاحب الجمل لينظر في قضية الجمل وفي قضية الوصية ؛ فسأل القاضي
عبدالله الأول : كيف عرفت أن الجمل أعور ؟ فقال عبدالله : لأن الجمل الأعور
غالبا يأكل من جانب العين التي يرى بها ولا يأكل الأكل الذي وضع له في
الجانب الذي لا يراه ، وأنا قد رأيت في المكان الذي ضاع فيه الجمل آثار
مكان أكل الجمل ؛ واستنتجت أنه الجمل كان أعورا . وبعد ذلك سأل القاضي
عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أقطب الذيل ؟ فقال عبدالله
الثاني : إن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء إخر اجه
لفضلاته ؛ وينتج من ذلك أن البعر يكون مفتتا في الأرض ، إلا أني لم أر ذلك
في المكان الذي ضاع فيه الجمل ، بل على العكس رأيت البعر من غير أن ينثر ؛
فاستنتجت أن الجمل كان أقطب الذيل ! وأخيرا سأل القاضي عبدالله الأخير
قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أعرجا ؟ فقال عبدالله الثالث : رأيت ذلك من
آثار خف الجمل على الأرض ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أعرجا .
وبعد أن استمع القاضي للعبادلة
اقتنع بما قالوه ، وقال لصاحب الجمل أن ينصرف بعدما عرفوا حقيقة الأمر .
وبعد رحيل صاحب الجمل قال القاضي للعبادلة : كيف عرفتم أن المرأة التي أعدت
لكم الطعام كانت حاملا ؟ فقال عبدالله الأول : لأن الخبز الذي قدم على
الغداء كان سميكا من جانب ورفيعا من الجانب الآخر ، وذلك لا يحدث إلا إذا
كان هناك ما يعيق المرأة من الوصول إليه ، كالبطن الكبير نتيجة للحمل ، ومن
خلال ذلك عرفت أن المرأة كانت حاملا ! وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني
قائلا : كيف عرفت أن اللحم الذي أكلتموه كان لحم كلب ؟ فقال عبدالله : إن
لحم الغنم والماع ز والجمل والبقر جميعها تكون حسب الترتيب التالي (عظم -
لحم - شحم) إلا الكلب فيكون حسب الترتيب التالي (عظم- شحم – لحم ) ؛ لذلك
عرفت أنه لحم كلب. ثم جاء دور عبدالله الثالث وكان القاضي ينتظر هذه اللحظة
، فقال القاضي : كيف عرفت أني ابن زنا ؟ فقال عبدالله : لأنك أرسلت شخصا
يتجسس علينا ، وفي العادة تكون هذه الصفة في الأشخاص الذين ولدوا بالزنا .
فقال القاضي : لا يعرف ابن الزنا إلا ابن الزنا
وبعدها ردد قائلا : أنت هو الشخص الذي لا يرث من بين أخوتك لأنك ابن زنا!
وصلى الله على محمد عدد ماذكره الذاكرون وعدد ماغفل عنه الغافلون
ودمتم بحفظ الله ورعايته
|